هل يستطيع الأسد التخلي عن روسيا؟

هل يستطيع الأسد التخلي عن روسيا؟
ملكية الصورة: الإنترنت
تفاصيل برس (وحدة الرصد)

تركيا بالعربي – رزق العبي – إسطنبول

اتخذت سياسة بشار الأسد الخارجية سمات محددة في الشهرين أو الثلاثة أشهر الماضية. حيث يبدو أن رئيس النظام السوري مستعد للتنازل عن البلاد، مقابل الحصول على مساعدات مالية، وإعطاء وعود للأطراف المتدخلة في الشأن السوري بمنحهم مزايا وجود مريحة في البلاد.

في نوفمبر من العام الماضي، بدأت الإمارات العربية المتحدة تحاول إعادة العلاقات الدبلوماسية بالكامل مع سوريا. حيث بدأ التحرك في هذا الاتجاه في كانون الثاني (يناير) 2020، عندما استأنفت شركة طيران فلاي دبي عملها في سوريا، وجدولت رحلات جوية منتظمة بين دمشق وأبو ظبي.

وفي 10 نوفمبر 2021، زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان سوريا لأول مرة منذ عام 2011. بعدها وقعت وزارة الطاقة في حكومة الأسد ومجموعة من الشركات الإماراتية في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، اتفاقية لبناء محطة طاقة شمسية بقدرة 300 ميغاوات بالقرب من دمشق.

كما أنه في خريف عام 2021،استؤنفت العلاقات بين سوريا والأردن. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، تحدث الأسد هاتفياً مع الملك عبد الله الثاني حول آفاق التعاون بين البلدين على المدى القصير، وفي أوائل كانون الأول (ديسمبر)، تم استئناف عمل منطقة التجارة الحرة السورية الأردنية واستئناف الأنشطة التجارية والاقتصادية بعد توقف دام ست سنوات.

ومن المشاريع السورية الأردنية المشتركة بناء شبكة من محطات الكهرباء على الأراضي السورية لتزويد الدولة اللبنانية بالكهرباء.

وفي بداية عام 2022، أقيم المعرض التجاري والخدمي الأردني في دمشق، حيث نظمته غرفة التجارة الأردنية واتحاد غرف التجارة السورية. وبعد أيام قليلة من انتهاء المعرض، ناقش وزير السياحة السوري محمد رامي رضوان مرتيني مع وفد غرفة التجارة الأردنية سبل توسيع التعاون الثنائي في مجال الاستثمار والسياحة.

وعلى مدى الشهرين الماضيين، غيرت أنقرة بشكل كبير سياستها في سوريا. حيث أن مركز الجذب الرئيسي للأنظار التركية هو إدلب، والتي لا يزال يتواجد في جزء منها مسلحو تنظيم هيئة تحرير الشام. ولا تزال تتوارد أنباء من المحافظة عن بدء تركيا إرسال عتاد وأسلحة إلى المحافظة يجري نقلها إلى الجيش الوطني السوري.

ويتوقع مركز “جسور”المستقل للأبحاث، تصاعد حدة التوتر في إدلب، وهو ما تُثيره تركيا بهدف تنفيذ عملية عسكرية في المحافظة. كما تم الحديث عن اجتماع لمسؤولين أمنيين أتراك مع مسؤولين سوريين في مدينة العقبة الأردنية، تم خلاله الاتفاق على انتقال حلب الى السيطرة التركية بهدف إعادة تشغيل المؤسسات الصناعية في المدينة ومحيطها. وبحسب المصادر، فإن تركيا مستعدة لجذب أموال من قطر والسعودية والإمارات لتنفيذ المشروع.

وفي السياق، تُشير التقارير الواردة من شمال شرق سوريا إلى أن وحدات الجيش الأمريكي توفر غطاءً مسلحاً لقوافل الصهاريج التي تقوم بنقل النفط بحرية من حقل الرميلان في محافظة الحسكة السورية، عبر معبر الوليد غير الشرعي الى الحدود السورية العراقية.

وبمجرد وصول النفط السوري إلى أراضي العراق، يختفي دون أن يترك أثرا يُذكر. ويُشار الى أن هذه المعلومة يؤكدها وزير الخارجية في النظام فيصل المقداد.

حيث أشار الوزير صراحة إلى أن الولايات المتحدة، بينما تدعم الميليشيات الكردية في شمال شرق سوريا، تسرق النفط والقمح والقطن السوري.

وأخيراً، دمشق لا تتوقف، بل على العكس تزيد من وتيرة التقارب مع إيران. فها هو اتفاق تخفيض الرسوم الجمركية إلى 4%، مع إمكانية أن تكون 0% لبعض المنتجات للعديد من أنواع البضائع، وهو ما تم تأكيده في اجتماع وزير الاقتصاد والتجارة الداخلية السوري سامر الخليل مع الوفد الاقتصادي الإيراني، الذي عقد في 13 كانون الثاني من العام 2022. كما أعلن وزير الطرق في إيران ورئيس اللجنة الاقتصادية السورية الإيرانية رستم قاسمي في ذات الاجتماع عزم إيران على مساعدة حكومة النظام في استعادة البنية التحتية المدمرة للبلاد، وتحدثا أيضًا عن آفاق تطوير طريق بري، يشكل محورين يربطان بين إيران والبحر الأبيض المتوسط.

يبدو أن الأسد يرى أنه من الممكن بناء علاقات مع كل اللاعبين “الأقوياء” وحل مهام السياسة الخارجية الخاصة به على أساس مبدأ الانفتاح الكامل للبلاد. لكن السؤال الأهم هنا: ما هو المكان المخصص لروسيا في «الكوكتيل السوري» اليوم؟

حيث تجدر الإشارة إلى أن الدبلوماسيين الروس يواصلون الدفاع عن فكرة إبقاء بشار الأسد في السلطة باعتباره الزعيم الشرعي الوحيد الذي انتخبه الشعب السوري في انتخابات حرة. نفس الدبلوماسيين الروس يقاومون هجمات “أصدقاء الأسد” في مجلس الأمن الدولي عندما يتعلق الأمر بالأسلحة الكيماوية. في حين تواصل روسيا تقديم المساعدات الاقتصادية لسوريا بأشكال وأحجام مختلفة.

كما يواصل الجيش الروسي وجوده في البلاد على مساحات متفاوتة. والأهم الآن أن كل هذه التطورات الأخيرة تمحو الجهود التي تبذلها روسيا لإنقاذ الأسد من كارثة السقوط. حيث يُشار هنا إلى أن الأسد، كان يسيطر في الوقت الذي بدأت فيه عملية القوات الجوية الروسية، على ما يزيد قليلاً عن 15٪ من أراضي البلاد، في حين وقفت فصائل المعارضة على مشارف دمشق، استعداداً للهجوم على المدينة وقلب القيادة في البلاد.كما لم تعبر قطعة عسكرية واحدة، باستثناء الوحدات الروسية، شرق الفرات، ما أدى إلى إندحار مسلحي داعش أيضاً.

الواقع أن الأرض السورية وحتى الهواء السوري مليئ بدماء الجنود والضباط الروس، ويتعذر محو كل هذه النجاحات من الذاكرة في لحظة واحدة. فهل من الممكن الآن الانفصال عن روسيا التي أعادت سوريا إلى الأسد؟، هل يستطيع الأسد التجارة بها بحرية؟