الحضارة الغربية وأزمة الأخلاق

الحضارة الغربية وأزمة الأخلاق
ملكية الصورة: الإنترنت
تفاصيل برس - بلال الشيخ

يمكننا القول أن المجتمع الغربي عموماً يمر في أزمة أخلاقية ستودي به إلى الانهيار بعد أن تحرر من كل ضوابط الأخلاق والفطرة الإنسانية، التي تكبح جماحه، فصار الفرد الغربي إمبراطورا على مملكته يفعل ما يشاء بلا أي قيود.

كثيرا ما شنّف الغرب آذاننا بتقدّمه وحضارته التي بلغت الآفاق، وكثيرا ما كنا نسمع ونقرأ أن الغرب صاحبُ الديمقراطيات، وكثيرا ما أُعجب المسلمون وغيرهم بتعامل الغرب مع الآخر أيًّا كان، وكتب الكثيرون من أبناء العرب والمسلمين ينادون بالاقتداء بالغرب في معاملاتهم وسياساتهم واعتبروها نموذجا رائعا للحياة في وقت كانوا يسبوّن الشرق وعاداته وتقاليده ويَسِمُونها بالتخلّف والرجعيّة والظلاميّة والفوضى والاحتكار، وتغنّى الشعراء العرب والمسلمون بقيم الغرب من الحرية والمساواة والديمقراطية، حتى صِرنا مقتنعين أنه الملاذُ الأخير والناعمُ لما يعانيه الشباب العربي من فقرٍ وبطالةٍ وتخلّفٍ وأميّةٍ.

فاليوم شغلت وسائل الإعلام العالمية والعربية بخبر مروع بعد نشر موقع صحفي ألماني حادثة مروعة ووحشية بعد أن ألقت الشرطة الألمانية القبض على أحد المشتبه بهم بجرائم الاستغلال الجنسي وبحوزته ملايين مقاطع الفيديو الإباحية تظهر اغتصاب أطفال أصغرهم بعمر الشهر فقط!

آلاف الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة  تعرضوا للاغتصاب والاعتداء كما أظهرت الفيديوهات، وهم يصرخون وينزفون من الألم.

حيث صنف قائد شرطة كولونيا، فالك شنابل الجرائم الفظيعة في مؤتمر صحفي: "لم أر سوى جزءًا صغيرًا من البيانات المؤمنة بنفسي. أشعر بصدمة شديدة. لم أر قط مثل هذه الوحشية اللاإنسانية ضد الأطفال ، وآلامهم وصراخهم ، ومثل هذه اللامبالاة القاسية.

كما صرّح يواكيم روث، كبير المدعين العامين:  تظهر التحقيقات مدى انتشار الاعتداء الجنسي على الأطفال في مجتمعنا. ما رأيته صدمني حتى النخاع ".

وقال وزير الداخلية: هربرت ريول: "يمكننا القول بالفعل أن مجمع الإساءة هذا له بعد جديد مرعب من نواح كثيرة ، وهو ما يهزني بشدة". "كم مرة قلت ذلك: بعد جديد يزعجني - ثم يأتي بعدًا أسوأ. هذه المرة نتعامل مع وحشية لا تصدق. اعتدى الجناة على الأطفال الرضع والأطفال الصغار بأبشع الطرق ، واعتدوا عليهم واغتصبوهم وعذبوهم ثم صوروا أفعالهم. مقاطع الفيديو طويلة جدًا ، أحيانًا تزيد عن 30 أو 40 دقيقة. وبالتالي فإن معاناة الأطفال طويلة "

وهذه الحادثة ليست الأولى من نوعها في ألمانيا حيث نشرت مواقع التواصل تقريرا أعدته ثلاث جامعات ألمانية لصالح الكنيسة الكاثوليكية نفسها وسرب إلى وسائل الإعلام ويوضح التقرير الذي نشرته مجلة دير شبيل في نسختها الرقمية أن 1670 من رجال الدين في الكنيسة في ألمانيا قد ارتكبوا بعض أنواع الاعتداءات الجنسية ضد ما يزيد على 3677 طفلا وقاصرا.

واستخدمت الجامعات الثلاث نحو 38 ألف وثيقة من 27 كنيسة في ألمانيا وتوصلت لنتيجة مفادها ان الانتهاكات الجنسية من رجال الكنيسة قد تكون أكبر من ذلك بكثير حيث أن اغلب الوثائق التي تدون هذه الانتهاكات تم إخفاؤها او التلاعب بها.

إن حالة الغرب اليوم ودينامياته الاجتماعية تدل دلالة قاطعة على زيف دعوى الحضارة والتقدم ومحدوديتها، وأن المجتمعات الغربية تعاني أزمة حرية عميقة، تحرم الإنسان الغربي الإحساس بالأمن والسعادة، فالحركات النسائية الواسعة، وحركات الشواذ، والحركات البيئية، وحركات الشعوب الأصلية... التي تحتل حيزا مهمًّا في المجتمع الغربي تقاوم وبشدة القيود والقوانين المستقرة، وتدعو إلى تغييرها باعتبار الكثير منها سالبا للحرية، وتبشر بمجتمع آخر، حر، ومختلف. بمعنى آخر تمارس نقدا راديكاليا وشاملاً للمنظومة الحقوقية «الرسمية»، وتعتبرها ضد الطبيعية، ولا تحقق المنفعة.

يبدو لنا أن الإنسانية ذاهبة باتجاه ابتكار معيارية أخلاقية من شأنها إنقاذ ما تبقى من الإنسان، وفي هذا السياق فإن مسؤولية المسلمين كبيرة وحساسة؛ فبدل الاتجاه إلى تقليد الغرب واقتباس نظمه ونماذجه التحررية في المجتمع والاقتصاد والسياسة، وجب العمل على تجاوزه، وتخليق منجزه التحرري.

إن مجتمعاتنا العربية والإسلامية بحاجة ماسة إلى الحرية، لكن ليس على منوال الغرب وحداثته، بل من خلال نماذج تتجاوز قلق الغرب واضطراباته

وبعد دراسة نتائج التحرر من القيم الأخلاقية في المجتمع ندرك أن الحضارة الراسخة لا تضمحلّ، وأن الحضارة الوهمية المقنّعة سرعان ما تتبخّر، ويظهر وجهها الحقيقي، وبانعدام الأخلاق تسقط وتنهار الحضارات، وعند الأزمات تتبين الخروقات، ويمكن أن تظهر تحالفات، وتتشكل تكتلات، ويتغير العالم إلى مجموعات، من شأنها أن تقود الحضارات بأفكار ومعتقدات، تتجدد وفق جميع الأوقات.