“حرب عضلات” بين روسيا وأمريكا وإسرائيل على الأرض السورية

“حرب عضلات” بين روسيا وأمريكا وإسرائيل على الأرض السورية
ملكية الصورة: الإنترنت
تفاصيل برس - رصد

يتطور التصعيد السياسي حول سوريا بين روسيا من جهة وأمريكا وإسرائيل في الطرف المقابل، لتتشكل انقسامات لا يمكن الجزم إلى الآن فيما إذا كانت أوراق ضغط لتحقيق مكاسب محددة أو تصعيدًا مقبلًا بين الجانبين.

ويتشكل التحالف الحالي الذي يظهر بين كل من أمريكا وإسرائيل من جهة وروسيا من جهة أخرى بناء على مواقف وتحركات اتخذتها هذه الدول مؤخرًا، ولا سيما بعد اتخاذ عدد كبير من الدول موقف النقيض من روسيا بعد غزوها الأخير لأوكرانيا، والذي بدأت آثاره التصعيدية تظهر في الملف السوري.

ردع نشاط إسرائيل في سوريا

في 23 من حزيران الحالي، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مطالب بلاده بضرورة وقف إسرائيل لضرباتها في سوريا.

ولوّح خلال مؤتمر جمعه مع نظيره الإيراني، أمير عبد اللهيان في العاصمة الإيرانية طهران، بتقديم موسكو بطلب لبحث الضربة الإسرائيلية على مطار “دمشق الدولي” إلى مجلس الأمن ومعالجة هذا الطلب  و”عدم القبول به ومنع وقوع مثل هذه الاعتداءات مستقبلًا”، بحسب قوله.

وبحسب مانشرته هيئة البث والإذاعة الإسرائيلية “مكان“، في 19 من حزيران، قدمت موسكو طلبًا إلى مجلس الأمن، يفيد بأن “القصف الإسرائيلي المستمر على أهداف في سوريا يشكل خرقًا للقانون الدولي ولا يمكن القبول به”.

وكانت إسرائيل استهدفت البنية التحتية لمطار (دمشق الدولي)، وتسببت بخروج مهابط الطائرات عن الخدمة، حيث تضررت في أكثر من موقع وبشكل كبير، مع الإنارة الملاحية، بحسب ما أعلنته وزارة النقل السورية في 10 من حزيران.

واستغرقت أعمال الصيانة والإصلاح للمطار فترة 12 يومًا ليعود بعدها المطار إلى الخدمة بدءًا من تاريخ 23 حزيران.

جدوى الطلب الروسي

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” محمد العبد الله أوضح، في حديث إلى عنب بلدي، أن أي دولة في العالم يمكنها أن تتقدم بطلب أو بشكوى للأمم المتحدة، ولكن الأهم، بحسب قوله، “هو مدى إمكانية تحقيق مرور قرار يدين الضربات”.

بينما تشير الوقائع إلى صعوبة مرور مثل هذا القرار لأن هناك حلفاء لإسرائيل في مجلس الأمن، ولأن الولايات المتحدة الأمريكية تنسق مع إسرائيل بخصوص هذه الضربات.

وبحسب العبد الله، فإن الإجراءات تتطلب مسودة قرار للتصويت عليه، ومع استحالة تمرير القرار، من الممكن أن يتحول لبيان رئاسي، لكنه غير ملزم ولا قيمة فعلية له لإيقاف الضربات، وحتى قرار الإدانة لا يمكنه أن يوقف الضربات.

تصعيد متواتر

وفي 15 من حزيران، استهدف طيران مجهول لم يُحدد نوعه القاعدة العسكرية التابعة لقوات التحالف الدولي في منطقة التنف شرقي محافظة حمص على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق.

ونشر فصيل “جيش مغاوير الثورة” المدعوم أمريكيًا والمتمركز في قاعدة “النتف” عبر حسابه الرسمي في “فيس بوك”، صورًا قال إنها من استهداف طائرات مجهولة مقرات تابعة له داخل القاعدة العسكرية.

واتهمت الوزارة قوات عسكرية في المنطقة بمهاجمة المدنيين والمنشآت المدنية في سوريا، وباختراق الصحراء السورية سرًا، وبالتخطيط لهجمات إرهابية على منشآت صناعة النفط في المنطقة”، بحسب قولها.

روسيا أخطرت الأمريكيين

مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) نفيسة كوهنورد، قالت في تغريدة عبر موقع “تويتر”، نقلًا عن مصدر عسكري لم تسمِّه، إن “الجيش الروسي نبّه التحالف الدولي من غارات جوية ستنفذ على مواقع لـ(مغاوير الثورة) في منطقة التنف”.

وأضافت كوهنورد أن القصف جاء “ردًا على زرع مقاتلين من (مغاوير الثورة) قنبلة في أحد الطرقات، تسببت بوقوع قتلى وجرحى بين صفوف عسكريين روس”.

شبكة “CNN” الأمريكية نقلت عن مسؤولين عسكريين أمريكيين قولهم، إن روسيا حذرت، في وقت سابق، الجيش الأمريكي من أنها ستشن ضربات جوية ضد فصيل “مغاوير الثورة”.

هل نشهد صدامًا؟

الدبلوماسي السابق والمستشار لدى الخارجية الروسية، رامي الشاعر، قال لعنب بلدي، إن موسكو تتفادى أي صدام مباشر مع واشنطن وتل أبيب وحلف “الناتو”، على الرغم من التصعيد اليومي من قبلهم ضدها سواء في سوريا أو أوكرانيا أو حتى ليتوانيا مؤخرًا.

وتعلم روسيا أن كل الهجمات التي تقوم بها إسرائيل ضد أهداف معينة في سوريا، يتم التنسيق الكامل بينها وبين واشنطن بما في ذلك قصف مطار “دمشق الدولي” مؤخرًا، بحسب الشاعر.

وأضاف أن “أي عملية اعتداء أمريكية- إسرائيلية على الأراضي السورية، يتم من خلال قناة الاتصال العسكرية الأمريكية- الإسرائيلية- الروسية، وتُبلغ روسيا عن المكان الذي سيتم استهدافه لتفادي عدم وقوع خسائر بين القوات الروسية في سوريا”.

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال نشرت” تقريرًا، مفاده أن هناك تنسيقًا إسرائيليًا- أمريكيًا سريًا بما يتعلق بالضربات الإسرائيلية على المواقع والأهداف الإيرانية في سوريا.

وأضافت الصحيفة، أن هذا التنسيق مستمر منذ عدة سنوات، نقلًا عن مصادر أمنية أمريكية، وأن إسرائيل تقدم للأمريكيين مسبقًا قائمة للأهداف المزمع قصفها، خاصة في منطقة التنف القريبة على الحدود الجنوبية الشرقية، حيث تتواجد القاعدة الأمريكية.

وأشار التقرير إلى أن هذا التنسيق يدل على دعم واشنطن لحليفتها إسرائيل دون انجرارها إلى الحرب بينها وبين إيران.

وذكرت الصحيفة الأمريكية أن إسرائيل نفذت أكثر من 400 هجوم جوي في سوريا بهدف تقليص التموضع الإيراني في البلاد.

المصدر: WSJ

 

لحشد العرب في مواجهة إيران

واعتبر الدبلوماسي رامي الشاعر أن هنالك محاولات مستمرة من قبل التحالف الأمريكي الإسرائيلي لما وصفه بـ”توريط” دول عربية للمشاركة في الاعتداءات العسكرية ضد أهداف إيرانية عسكرية وغيرها على الأراضي السورية.

ويدعم تحليل الشاعر ما أعلنه الملك الأردني، عبد الله الثاني، الذي أيّد في مقابلة مع قناة “CNBC” الأمريكية، في 24 من حزيران، فكرة تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار “حلف شمال الأطلسي” (الناتو).

وركز الملك الأردني على هدف رئيسي لمواجهة إيران في هذا الحلف، دون أن يشير إلى الدول التي قد تشارك فيه بالاسم.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، أعلن، في 20 من حزيران الحالي، بناء إسرائيل تحالفًا دفاعيًا جويًا إقليميًا برعاية الولايات المتحدة.

وقال غانتس، إن التحالف أحبط بالفعل محاولات شن هجمات إيرانية، ويمكن تعزيزه بزيارة الرئيس الأمريكي في تموز المقبل، بحسب ما نقلته صحيفة “جورزاليم بوست” الإسرائيلية.

وكشف أنه قاد خلال عام 2021 برنامجًا مكثفًا، مع شركائه في “البنتاغون” وفي الإدارة الأمريكية، من شأنه تعزيز التعاون بين إسرائيل ودول المنطقة.

واعتبر أن “هذا التحالف فعال، وقد مكّن بالفعل من الاعتراض الناجح للمحاولات الإيرانية لمهاجمة إسرائيل ودول أخرى”، بحسب قوله.

ولم يذكر أسماء الدول الشريكة أو تفاصيل أخرى عن الهجمات التي تم إحباطها.

آفاق التصعيد

ويعتقد الشاعر أن أمريكا وإسرائيل وحلف “الناتو” بدأوا يستوعبون أن روسيا لا يمكن أن تستهين بكل محاولات الاستفزاز والتوتر والتهديدات التي يسعون إليها، وأن “العملية العسكرية الخاصة” (وهو الوصف الروسي الرسمي للتدخل) في أوكرانيا والعملية الخاصة التي يمكن أن تلجأ إليها روسيا قريبًا في ليتوانيا، إذا أصرت لتوانيا على حصار مقاطعة “كلينينغراد” الروسية ومنع حركة وصول الشاحنات الروسية إليها عن طريق البر.

وعليه، لا توجد أي آفاق لمحاولات التصعيد والتوتر بين روسيا وأمريكا وإسرائيل وإيران أو حتى تركيا في سوريا، فجميع هذه الأطراف تعي أن أي صدام عسكري على هذا المستوى سيكون مدمرًا، بحسب الشاعر.

وكان الباحث والمحلل العسكري عبد الله الأسعد، قال لعنب بلدي، إن روسيا لا تعطي شأنًا كبيرًا لأي قصف يستهدف قوات النظام أو حتى التشكيلات المدعومة من قبلها في سوريا، في حين أن لديها خطًا أحمر لا تقبل تجاوزه يتمثل بقصف أي موقع توجد فيه قوات روسية نظامية، كقاعدة “حميميم” الروسية في اللاذقية، ومطار “القامشلي” العسكري في الحسكة، وغير ذلك من المواقع التي تضم قوات روسية.

وفي حال استهداف القوات الروسية، يكون الرد فوريًا، وفي هذه الحالة تغيّر روسيا قواعد الاشتباك، وفق الأسعد، الذي يرى أن تغيّر قواعد الاشتباك بين القوات الأمريكية والروسية في سوريا بسبب الاستهداف الروسي لـ”مغاوير الثورة” ليس بالأمر الوارد.

بالمقابل، اعتبر الأسعد أن القوات الأمريكية من الممكن أن تغيّر قواعد الاشتباك إذا تعرضت لأي احتكاك يمس أمنها، لذلك تقوم دائمًا بإرسال إشارات ورسائل احترازية لعدم الاقتراب من قواعدها في سوريا، من خلال استقدام التعزيزات، وإجراء المناورات العسكرية.

 

المصدر: عنب بلدي