تحديات تمثيل المرأة السورية في وسائل الإعلام

تحديات تمثيل المرأة السورية في وسائل الإعلام
ملكية الصورة: صحيفة عنب بلدي/ منحة مارس
تحقيق: رزق العبي - تفاصيل برس

لم تتمكّن "شاديا" وهي صحفيّة سوريّة قادمة حديثاً من إدلب إلى تركيا من إيجاد فرصة عمل في أي مؤسسة إعلامية تمارس نشاطها الإعلامي على الأراضي التركية، لعدّة أسباب أبرزها عدم وجود أوراق رسمية لها في تركيا، لاسيما بطاقة الحماية المؤقتة "كملك".

تقول شاديا تعتاع التي بدأت عملها الإعلامي عام 2016 في شمال سوريا: إنّ "الضغوطات الأمنية وسوء الوضع عموماً في إدلب دفعني إلى مغادرة البلاد والقدوم إلى تركيا أملاً في الحصول على عمل وبدء حياة جديدة ولو مؤقتة في تركيا، لكنّ الواقع كان عكس ما هو متوقع".

تركيا.. حاضنة لوسائل الإعلام المستقلة:

يوجد في تركيا منذ مطلع عام 2012 وسائل إعلام سورية "مستقلّة" سواءً "تلفزيون، راديو، جريدة وموقع إلكتروني.." وتضمّ تلك الوسائل صحفيين وصحفيات سوريين/ ات، وفق ظروف عملٍ متوازنة تارة وأخرى غير مناسبة للرجل أو للمرأة على حدّ سواء.

تنقّلت "شاديا" خلال وجودها في إدلب بين عدّة وسائل إعلام سواءً مكتوبة أو إذاعية، معرّضة حياتها للخطر بحكم وجود "فصائل متشددة" تُمارس تضييقاً على الإعلاميين، الكلام لشاديا، وفي ظلّ وجود قصف مستمر من قبل نظام الأسد، كما عاشت حملات التهجير أكثر من مرة، فكانت هي الخبر من حيث التهجير مثلها مثل ملايين السوريين، وناقلة للحدث أيضاً بحكم عملها مراسلة صحفية تارة أخرى، لكنّها عندما جاءت إلى تركيا وبعد محاولات كثيرة للحصول على فرصة عمل إعلامية أُغلقت الأبواب في وجهها.

تحديات تمثيل المرأة السورية في وسائل الإعلام
شاديا تعتاع، صحفية سورية

"فكّرت في العمل نادلة في مطعم" تقول شاديا وهي تتحدث عن ضغط نفسي تتعرض له بسبب عدم إيجاد فرصة عمل حيث تتواجد متنقلة بين غازي عنتاب وأنطاكيا بتركيا.

وعلى الرغم من أنّها لا تحمل بطاقة حماية مؤقتة في تركيا تمكّنها من العمل إلّا أنّها لم تخفِ وجود ما وصفته بـ "الواسطات والمحسوبيات" داعية إلى عدم التمييز في انتقاء الموظفات على أساس المعرفة الشخصية وحتّى المناطقية "وفق قولها".

في السياق، لم يكُن الطريق معبّداً بالفُرص أمام "أسماء منير" التي وصلت إلى تركيا قبل سنة من الآن، وهي خريجة إعلام من إحدى جامعات سوريا.

عن هذا تتحدث "أسماء" التي بحثت كثيراً عن فرصة عمل، إلى أنّ التحقت بدورة تدريبية في إحدى الإذاعات السورية في تركيا، مكّنتها فيما بعد من إثبات جدارتها والبدء بعمل رسمي، تقول: عندما جئتُ إلى تركيا، أول ما بدأته الانتهاء من الترتيبات التي تجعل وجودي في هذه البلاد قانونياً، ثمّ بدأت أطرق أبواب المؤسسات الإعلامية في غازي عنتاب، دون جدوى.

تحديات تمثيل المرأة السورية في وسائل الإعلام
أسماء منير، معدة ومقدمة برامج

تضيف أسماء التي تعمل حالياً معدّة ومقدمة برنامج في إذاعة روزنة السورية المستقلة: نصحوني بالالتحاق بورش إعلامية أملاً في اكتساب خبرات جديدة، وكذلك الدخول في الوسط الإعلامي أكثر، وفعلاً تمكّنت عبر إحدى الورش الإعلامية، من التواصل مع وسيلة إعلام راسلتهم فيما بعد، فأخضعوني لكورس تدريبي "غير مأجور" تمكّنت من خلاله البدء بعمل رسمي.

تُعدّ الآن أسماء برنامجاً وتقدّمه عبر "روزنة" وهنا لا تنكر المردود المادي القليل الذي يعتبر من النقاط الهامة في تحسين ظروف الحياة لتقديم الأفضل، لكّنها تؤكد أنها تمكّنت بالإصرار والجهد من تحدّي الظروف ووضع قدم داخل مؤسسة إعلامية تُعتبر مرموقة، من وجهة نظرها.

تحديات أخرى

لا يعتبر إيجاد فرصة عمل للمرأة السورية في مجال الإعلام هو نهاية رحلة التحديات والصعوبات، وأحياناً الضغوطات والمشاكل، فهناك عراقيل أخرى أمام الصحفية والإعلامية في بعض الوسائل، من قبيل الخصوصية، ومشاكل تتعلق بالأجور الشهرية وكذلك الإجازات والعُطل، وحقّ إبداء الرأي في توجيه المواد التي تُعنى بالمرأة السورية.

الصحفية السورية آلاء محمد تحدّثت عن "صعوبات كثيرة منها السلوكيات القائمة على التمييز ضدّ النساء وتنميطهن ووضعهن ضمن قوالب معينة، إضافة لعدم الثقة بقدراتهن أو مهاراتهن وتجاهل شهادتهن الأكاديمية في بعض الأحيان".

أما بخصوص الإجازات والعُطل، فقد أشارت إلى أنّه "من خلال المؤسسات التي عملت بها كان الوضع جيداًحيث للمرأة العاملة إجازات أمومة وإجازات متعلقة بالدورة الشهرية إضافة إلى الإجازات المرضية والعادية الممنوحة للذكور والإناث،ولكن "قد تواجه المرأة في بعض الأحيان مزاجية المدراء أو الزملاء" والكلام لـ "آلاء محمد".

لكن بالمقال، تحدّثت "ن- م" التي فضّلت عدم ذكر اسمها لأسباب خاصة عن مشاكل عديد ضمن عملها، سواء فالمكتبي أو عبر الانترنت، لاسيما المضايقات على أساس النوع الاجتماعي، ووسم الإناث بكلمة "نسوان" في كثير من المواقف.

تقول: من غير اللائق أن تسمع مصطلحات مثل نسوان أو جُمل فيها كناية داخل المؤسسة الإعلامية التي من المفترض أن توجّه الجمهور، مثلاً "لا تتشكّى متل النسوان، خليك رجّال.." وغيرها الكثير.

كما لم تخفِ المتحدثة بعض المضايقات التي تعرّضت لها لأنها أنثى فقط، لاسيما التي تأتي على شكل تحرّش لفظي ولو بشكل خفيف.

حضور المرأة كضيفة أو خبيرة:

لا يزال حضور المرأة في وسائل الإعلام السورية المستقلّة في تركيا بصفة "ضيفة أو خبيرة أو صاحبة رأي" خجولاً على حساب الرجل، وفق ما ترى الصحفية السورية آلاء محمد.

وتحدّثت الصحفية آلاء محمد التي تنشط في مختلف المجالات التي تدعم المرأة عن أنّ حضور المرأة في هذا السياق لا يبدو جيّداً، معتبرةً أنّ الرجل يستحوذ بشكل أكبر على مساحات الخبرة والرأي في الإعلام السوري المستقل.

وأشارت "آلاء محمد" إلى أنّ "المجتمع السوري ككل بحاجة لورشات توعية حول أهمية إشراك المرأة في الحياة بمختلف جوانبها السياسية والاجتماعية والثقافة وغيرها وهذا الأمر ينطبق على الإعلام فحسب، نحن نحتاج للمزيد من التوعية مِن أجل إحداث توازن في هذا الشأن.

تحديات تمثيل المرأة السورية في وسائل الإعلام
آلاء محمد، صحفية سوريّة

أما بخصوص حضور المرأة بصفتها الإعلامية والصحفية، فقد اعتبرت "آلاء محمد" أنّ وصول المرأة السورية لوسائل الإعلام مقبولاً نوعاً ما، "لكن نحتاج إلى وصول أكثر للنساء لمناصب إدارية وصانعات قرار".

سألنا الصحفي إبراهيم صباغ الذي يعمل في قناة "حلب اليوم" التي تبثّ من مدينة عنتاب التركية، عن حضور المرأة السورية في الإعلام ضيفةً أو خبيرة أو صاحبة رأي، فقال: بخصوص الضيوف الذكور أكثر بكثير من السيدات في البرامج السياسية..نحن مثلاً في قناة "حلب اليوم" نبحث دائما عن السيدات ليكنَّ ضيفات في البرامج لكن نسبة السيدات العاملات في الشأن السياسي قليلة، وكذلك نسبة الباحثات قليلةوكذلك الخبيرات الاقتصاديات.. لكن بخصوص البرامج غير السياسية معظم الضيوف سيدات (مثل الصباحي).

وأوضح متحدّثاً عن قناة حلب اليوم: "حققت المرأة حضوراً جيداً في مؤسسة حلب اليوم ونطمح لزيادة النسبة بخصوص المؤسسات الأخرى، ولكن ليس لدي إحصائيات حول الأمر تعكس النسبة الدقيقة، لكن وفق المُشَاهَد ما تزال المرأة بحاجة لحضور أقوى في المؤسسات الإعلامية".

وقناة حلب اليوم، مؤسسة إعلامية سوريّة انطلقت عام 2011 وهي تبثّ حالياً من غازي عنتاب، لكن لا يزال تمثيل المرأة في مكتبها في عنتاب خجولاً، حيث يوجد 9 سيّدات من أصل 49 موظفاً في المكتب.

ورشات عمل ومِنَح

اتّفقت أغلب الصحفيات اللواتي سألناهنّ عن حضور المرأة في وسائل الإعلام، على نقطة أنّ الحضور جيّد جدّاً إذا قسناه قبل الحراك السوري، حيث كان تمثيل المرأة في الإعلام بسوريا محصوراً ضمن ضوابط ومعايير قائمة على أساس الولاء السياسي لنظام الأسد، أمام اليوم فكثير من المؤسسات تختار الصحفيات أو الصحفيين على حدّ سواء على أساس الخبرة، مع وجود مِنح خاصة بالصحفيات وكذلك ورش تدريبية لتمكين المرأة في الإعلام.

رئيسة هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين، الصحفية غصون أبو الذهب، قالت: لا شكّ أن المرأة أصبح لها وجود أكثر كمّاً ونوعاً عن السابق في وسائل الإعلام المختلفة، نظراً لاختلاف ادوار المرأة بعد الثورة السورية واختلاف مشكلاتها والتحديات والصعوبات التي تعاني منها، والحالات الإنسانية وقصص النساء الملهمة أصبحت من أكثر المواد التي يركز عليها الإعلام.

تحديات تمثيل المرأة السورية في وسائل الإعلام
غصون أبو الذهب، رئيسة هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين

لكن في السياق، أشارت "أبو الذهب" إلى أنّ "عمل المرأة يختلف من بلد لآخر حسب تعاطي كل بلد مع حقوق الإنسان من حيث المساواة وعدم التمييز وتكافئ الفرص وحق الوصول إلى مختلف الأعمال بغضّ النظر عن النوع، ولكن بالمحصلة يوجد مشاكل تجتمع عليها أغلب النساء بسبب الموروث والعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية عموما وغير ذلك. 

في هذا الجانب تحدثت "أبو الذهب" بالقول: حتى اليوم نجد صعوبات في إقناع السيدات بالحديث للإعلام كضيفات حتّى. فلا يزال لدى النساء خوف من الظهور، وخوف من الكلام، لأن المرأة السورية بشكل عام كانت منمّطة في أمور معيّنة كرعاية الأطفال أو البيت أو المدرسة.

أما عن البصمة التي تركتها السيدة السورية في الإعلام فترى "غصون أبو الذهب" أنّ المرأة العاملة في المجال الإعلامي تركت بصمة كبيرة، وكان لها دور في بناء هذا القطاع، رغم الصعوبات في هذا القطاع، يوجد الكثير من النساء في الصف الأول في وسائل الإعلام السورية في تركيا.

عن تجربة هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين، الذي تترأسه الصحفية غصون أبو الذهب وتنوب عنها الصحفية راما العبوش، ويضمّ 3 سيدات من أصل 7 أعضاء وعضوات في مجلس الإدارة أشارت إلى أنّه "في ميثاق شرف للإعلاميين السوريين يوجد سلسلة دورات ورشات حول دور المرأة في الإعلام وتمكينهن وإكسابهن خبرات جديدة".

وأوضحت أنّ "ميثاق شرف، يسعى لتمكين المؤسسات الصحفية للعمل بشكل مهني وأخلاقي للوصول بمعايير دولية في الصحافة"، مضيفة أنّ الميثاق "يدعم بشكل كامل النساء العاملات في المجال الصحفي، ولكن نحن نرى أنه كلما كانت الإعلامية السورية تمتلك أدوات ومهارات أكثر كلما كانت أكثرإبداعاً في عملها والكفاءة والخبرة ستمكنها من شُغل مناصب أكثر ولدينا أمثلة مشرقة في هذا الجانب".

وعن كسر الصورة النمطية للمرأة السورية أشارت "أبو الذهب إلى أنّ "كسر الصورة النمطية له شقان/ الأول يقع على عاتق المؤسسة، ودورها في هذا الموضوع ومدى وعيها لتغيير الصورة الذهنية للمرأة بشكل عام، ومن خلال وضع سياسات داخلية تعتمد تكافؤ الفرص بالتوظيف وعدم التمييز بالأجور وتنظم الأمور المتعلقة بإجازاتالأمومة ووضع سياسات خاصة بالتحرش لخلق بيئة عمل إيجابية للنساء.

كما يجب أن تفكر وسائل الإعلام بطرق لإظهار المرأة بعيدا عن التنميط، واختيار ضيوف من النساء بمختلف المجالات. وتسليط الضوء على النساء القياديات والملهمات لغيرهن لكسر أدوار المرأة التقليدية.

والشق الثاني، لدى المرأة نفسها، بزيادة ثقتها بنفسها وإصرارها على الوصول لما تصبو إليه سواءً في الإعلام أو عبر مهن أخرى تناسب ميولها واهتماماتها.

أما بخصوص المنح، فإنّ صحيفة عنب بلدي التي تصدر من إسطنبول، تُطلق بشكل دوري، منحة باسم "مارس" وهي برنامج تدريب في الصحافة يستهدف طلاب كليات الصحافة واللغات والخريجين الجدد، ويمنحهم فرصة التدريب العملي من خلال الممارسة في غرفة الأخبار وأقسام الإنتاج الصحفي في المؤسسة، من أجل تهيئتهم للدخول في سوق العمل الإعلامي.

وقد أطلقت عنب بلدي البرنامج التدريبي في آب 2018، وخرجت في نسختيه الأولى والثانية 17 متدربة، مؤهلات لدخول سوق العمل الإعلامي، وقادرات على إنتاج الأخبار والتقارير والقصص الصحفية، إضافة إلى قصص الفيديو، وفق ما أعلنت الصحيفة عبر موقعها الإلكتروني.

عقود العمل:

يعتبر تنظيم عقد العمل بصورة واضحة، ومرضية، من أكثر الأمور دقة في العمل الإعلامي أو في غيره، ويبدو الوضع معقّداً في تركيا، خصوصاً من حيث الوجود القانوني للسوريين في البلاد، حيث تتذرّع كثير من المؤسسات بأن تنظيم عقد عمل رسمي يفتح باباً واسعاً للضرائب ويحتاج إلى تنظيم "إذن عمل" رسمي في تركيا وبالتالي يتغاضى عنه المسؤولون في المؤسسة، كما أنّ أغلب موظفي الإعلام من السوريين في تركيا لا يملكون صورة عن عقد عملهم.

الصحفية ديمة شلّار، معدة ومقدمة برامج، أوضحت أنّها عملت في أماكن سابقاً ولم ترَ عقد العمل ولا صيغته، ولكن بسبب حبّها للعمل في هذا المجال كانت تعمل، وقالت: بخصوص عقود العمل فإن معظم المؤسسات ليست لديها الشفافية في هذا الشأن حيث أنّ الصحفي يعمل ويُنهي خدماته ولا يعرف صيغة عقده وراتبه الأساسي.

تحديات تمثيل المرأة السورية في وسائل الإعلام
ديمة شُلّار، معدّة ومقدمة برامج

وأضافت: حالياً أعمل في مؤسسة بصيغة عقد، وقد استخرجوا لي إذن عمل رسمي، وهو أمر مريح نوعاً ما خلافاً لعملي سابقاً في مؤسسات أخرى.

أما بخصوص التحدّيات فقد أكّدت أنّ تعامل المؤسسات مع المرأة عموماً لا يزال متواضعاً خصوصاً من حيث الإجازات أو الرواتب أو غير ذلك، وأكّدت أنّه في حال أخذت المرأة إجازة متعلقة بحالة صحية نسائية فإن الأمر يتمّ بشكل روتيني مثلها مثل الزملاء الآخرين.

وأشارت شُلّار في شأن آخر إلى مسألة الاستغناء على خدمات العاملين الإعلام، مؤكدة إلى أنّ بعض وسائل الإعلام تستغني عن الصحفية أولاً في حال نقص التمويل، بحجة أنّ الصحفي لديه بيت ومسؤولية بينما الصحفية لديها زوج أو أهل وبالتالي قادرة على إدارة مصروفها الشهري.

الانتهاكات بالأرقام

يعتبر توثيق الانتهاكات في كثير من الأحيان، أمراً صعباً من حيث كشف الجهة التي مارست انتهاكاً بحقّ الإعلاميين أو الإعلاميات على حدّ سواء، لكنْ في الحالة السورية، ومع تواجد السوريين والسوريات العاملون والعاملات في الإعلام يواجه المركز السوري للحريات الصحفية مشكلة امتناع الضحية عن توثيق الانتهاك بحقّها.

محمد الصطوف، صحفي وباحث في المركز السوري للحريات الصحفية قال: إنّ الانتهاكات المرتكبة ضد الصحفيات هي الأقل من حيث العدد مقارنةً بغيرها من الفئات، فيما تعتبر الانتهاكات المرتكبة ضد فئة الإعلاميين الذكور هي النسبة الأعلى، تليها الانتهاكات المرتكبة ضد المؤسسات والمراكز الإعلامية، ويرجع ذلك لطبيعة الظروف الخطرة المحيطة ببيئة العمل الإعلامي في سوريا، إضافة لعوامل أخرى تعود لاختلاف أعداد العاملات في الحقل الإعلامي من منطقة إلى أخرى، وبشكل عام قلة عدد الإناث العاملات في هذا المجال مقارنة بالذكور.

تحديات تمثيل المرأة السورية في وسائل الإعلام
محمد الصطوف، باحث في المركز السوري للحريات الصحفية

ومنذ بدء الحراك السوري عام 2011 شاركت المرأة جنباً إلى جنب مع مختلف شرائح المجتمع المدني، وظهر هذا الدور بشكل جلي في بداية التنسيقيات الأولى للحراك، وسرعان ما تطور هذا الدور في مجالات شتى، كان منها الدور الهام الذي لعبته المرأة الإعلامية في نقل وقائع الأحداث عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، كما ظهرت الناشطات الإعلاميات إلى جانب الناشطين الإعلاميين في توثيق ونقل وقائع الأحداث السورية.

لكن سرعان ما بدأ هذا الحضور بالتراجع بشكل تدريجي مع التغير الجذري في مسيرة الثورة السورية وتحولها إلى مسلحة، وكثرة المخاطر الأمنية التي كانت تحيط بالوسط الإعلامي، إضافةً إلى العوامل الاجتماعية المحيطة بظروف عمل المرأة بشكل عام.

أما عن توثيق الانتهاكات، فقد وثّق "المركز السوري للحريات الصحفية" في رابطة الصحفيين السوريين، في سجلاته وقوع 45 انتهاكاً ضد الإعلاميات في سوريا والإعلاميات السوريات خارج سوريا، منذ عام 2011 وحتى نهاية شهر أيار من العام الحاليّ 2022.

عن تلك الانتهاكات أوضح محمد الصطوف، أنّ "الخط البياني للانتهاكات الموثقة ضد الإعلاميات خلال السنوات السابقة، شهد تقارباً في النسبة، إذ كانت النسبة الأكبر منها ارتكبت في عام 2016 بـ 8 انتهاكات، وشهد عام 2012 وقوع 6 انتهاكات، وارتكب انتهاك واحد في عام 2014، وهي النسبة الأقل من بين السنوات، فيما شهد عام 2021 وقوع 5 انتهاكات، أما باقي السنوات، فقد شهدت كل منها 4 انتهاكات على حدة".

ودفع تسجيل الانتهاكات ضد الإعلاميات داخل سوريا (45 انتهاكاً منذ عام 2011) إلى لجوء الصحفيات والإعلاميات للعمل في تركيا، خوفاً من القصف أو الاغتيال أو الاعتقال.

يؤكد المركز السوري للحريات الصحفية أن محافظة الحسكة السورية شهدت النسبة الأكبر من الانتهاكات ضد الإعلاميات بـ 15 انتهاكاً، وشهدت محافظة حلب وقوع 8 انتهاكات فيها، فيما ارتكب 7 انتهاكات في دمشق، أما في ريف دمشق فقد شهدت وقوع 4 انتهاكات، وثلاثة انتهاكات في محافظة حمص، ومثلهم في محافظة إدلب. وكان لتلك الأرقام سبب مباشر للجوء الإعلاميات إلى تركيا.

أما على صعيد الانتهاكات ضد الإعلاميات السوريات خارج سوريا، وثق المركز انتهاكاً واحداً في تركيا. الانتهاك الأول تمثل باحتجاز إعلامية سورية لمدّة قصيرة.

عن آلية عمل المركز أكّد "الصطوف" أنّ "فريق المركز يرصد كل الحوادث التي تقع ضد الإعلاميات والإعلاميين، ومع كل حالة رصد يقوم المركز بالتدقيق والتحقق من المعلومات من مصادر متعددة، كما يتواصل مع المرتكب بحقهم الانتهاك من الزملاء الإعلاميين، للوصول إلى أدق التفاصيل والتحقق من صحتها، كما يستخدم المركز كافة الوسائل المتاحة للوصول إلى المعلومات الصحيحة، بغية مطابقتها مع معايير التوثيق، وفي حال لم تكن الواقعة متطابقة ومعايير التوثيق، فإن المركز لا يقوم بتوثيقها".

وأضاف أنه "خلال عملنا على مدار السنوات السابقة، وصلت إلينا العديد من حالات التهديدات ضد الصحفيات، إلا أن المركز كما أسلفت لا يوثق إلا ما كان متطابقاً ومعايير التوثيق ومنهجيته المعتمدة والتي تتوافق والقوانين الدولية لتوثيق الانتهاكات. كما أن لدى المركز قاعدة بيانات خاصة بتلك الانتهاكات التي يطلب أصحابها عدم نشرها، لاعتبارات شخصية وخاصة، لذلك نتوخى كل الدقة في التعامل مع هذا الموضوع".

وأشار الباحث السوري إلى أنّ واقع الصحفيات والصحفيين السوريين خارج البلاد لا يخفى على أحد، إذ كان هنالك العديد من حالات الفصل التعسفي والضغوط تعرّضت لها الصحفيات من قبل المؤسسات الإعلامية أو جهات أخرى، إلا أن الواقع الإداري وظروف العمل في الخارج، حتّمت مسار مغايراً لهذه الحالات، إذ أن هنالك بعض الصحفيات والصحفيين السوريين، يعملون دون عقود عمل، تضمن لهم حقوقهم كاملة في مواجهة المؤسسة التي يعملون لديها، وهو ما شكل أحد العوائق الكبيرة في توثيق تلك الانتهاكات، إضافة إلى وجود العديد من المشاكل تعوق عمل الصحفيات في بلاد اللجوء والهجرة وظروف العمل المختلفة في الخارج وغيرها من المعوقات. وهنا، كان لا بد على كافة الزملاء الإعلاميات والإعلاميين، من محاولة توثيق عقود عملهم لدى جهات حكومية في البلاد التي يعملون بها وهو ما تشكل الخطوة الأهم لحمايتهم من الفصل التعسفي.

دفعنا حديث المركز السوري للحريات الصحفية حول امتناع الصحفيات أنفسهنّ عن توثيق الانتهاكات، لسؤال صحفية سوريّة، تعرّضت لانتهاك أثناء عملها الإعلامي، لكنّها فضّلت عدم إثارة الموضوع عبر الإعلام أو في مراكز التوثيق.

وفي هذا السياق، أكّدت الصحفية (فضّلت عدم ذكر اسمها) أنّ بعض الانتهاكات تفتح باباً من المشاكل على الصحفية لذلك تقرر عدم إثارة الأمر، وجعله طيّ الكتمان، خصوصاً في حال كان الانتهاك ابتزاز أو تحرّش لفظي أو جسدي، ولم تُنكر ضيفتنا أنّ التحرّش اللفظي موجود في بعض المؤسسات الإعلامية، ولكن بسبب طبيعة البيئة الاجتماعية التي نعيشها تُفضّل كثير من الصحفيات عدم إثارة الموضوع بشكل صريح للإعلام، والكلام للضيفة.

كما أنّها تحدّثت عن عدم وجود جوّ مناسب في أثناء فترة الاستراحة داخل المؤسسة، مشيرةً إلى ضرورة احترام خصوصية المرأة في هذا الجانب، لأنها من الممكن أن تستغلها في الحديث مع أطفالها في البيت أو مع زوجها أو في قضاء أشياء خاصة، فهنا يجب أن يُترك لها مساحة من الحرية من قبل الزملاء، وفق رأي المتحدثة التي تعمل في إحدى وسائل الإعلام في إسطنبول.

صحفية ثانية، تحدّثت عن مشكلة تتلخّص في "قولبة" الصحفية المحجّبة ضمن إطار معين، مشيرةً إلى وجود مشاكل وضغوطات كثيرة للنساء المحجبات في ضمن غرفة الأخبار وفي المؤسسة بشكل عام، وهنا لم تنكر الصحفية (وهي محجبة) وجود عدد لا بأس به من الصحفيات المحجبات في الإعلام لكن مع وجود ضوابط تُنظّم أعمالهن على ذلك الأساس وأقصد (أنهن محجبات).

أما بخصوص المحتوى المضلل أو غير الدقيق في الإعلام، فأكّد الصحفي السوري أحمد بريمو (مؤسس منصة تأكّد)، على أنه "لم يكن هناك إحصائيات للمحتوى المضلل أو المزيف على أساس الجندر، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ "المنصّة تُركز في رصدها على وسائل الإعلام ونادراً ما نعمل على مواضيع نشرت على مستوى فردي لكن يمكن القول إن النسبة قليلة مقارنة بالذكور ليس بسبب التزام السيدات وعدم التزام الرجال، وإنما بسبب تصدر المشهد العام من قبل الذكور.. وهنا المقارنة على مستوى الشخصيات العامة أو المؤثرين على مواقع التواصل".

تحديات تمثيل المرأة السورية في وسائل الإعلام
أحمد بريمو، مؤسس منصة تأكد

وفي حديثه عن تمثيل المرأة في منصّة تأكّد قال: لدينا مجلس إدارة ترأسه امرأة، ونصف أعضاء مجلس الإدارة البالغ عددهم 6 أشخاص -عدا الرئيس- من النساء، وفي غرفة التحرير التي تضم 4 أشخاص يوجد سيدة وضمن فريق الميديا يوجد سيدة أيضا.ونحن وضعنا خطة لزيادة عدد السيدات في فريقنا، فسابقاً لم يكن لدينا نساء في فريق التحرير لكننا عملنا على رفد فريقنا بهنّ من خلال إطلاق برنامج تدريبي طويل دربنا فيه 10 صحفيات وفي نهاية البرنامج أضفنا إحداهن لفريقنا، ولو لم يكن هناك نقص بالموارد المالية لكنا رفدنا فريقنا بأكثر من واحدة.

استبيان: سألنا في استبيان عُرض على 50 صحفيّاً وصحفية على التحديات والصعوبات التي تواجه المرأة السورية في الإعلام وعن حضور المرأة في الإعلام.

اعتبر 17 من الصحفيين الـ 25 الذين سألناهم في الاستبيان عن تمثيل المرأة في وسائل الإعلام أنّه يرتقي لمستوى التمثيل الجيد، مؤكّدين أنّ حضور المرأة السورية في الإعلام جيّداً، فيما وجَدَ 8 آخرين أنّ التمثيل غير جيد ويحتاج إلى المزيد داخل المؤسسات الإعلامية.

فيما رأت الصحفيات الـ 25 اللواتي شاركن في الاستبيان أنّ التمثيل غير مرتفع، وفي هذا السياق، أشارت منهنّ إلى أنّ التمثيل يكاد معدوماً في بعض الوسائل الإعلامية في تركيا، في إشارة إلى المواقع الإلكترونية، أما في الراديو والتلفزيون فالتمثيل مقبولاً.

تحديات تمثيل المرأة السورية في وسائل الإعلام

توصيات:

في ختام التحقيق، أوصت مجموعة من الصحفيات، بجملة توصيات، تعتبر من أهم العوائق التي تواجههن في عملهن الإعلامي في تركيا: حيث طالبت منهنّ أن "تكون عقود العمل واضحة وصريحة، ومتساوية من حيث المهام والرواتب مع الذكور، وألّا يتم إضافة المرأة السورية في المؤسسة على أساس الكوتا إنما على أساس الخبرة، كذلك طالبت صحفيات أخريات أن "يتمّ اعتماد نظام إجازات "الأمومة، والحمل والعوارض الصحية" بشكل رسمي ومُنصف". وإعطاء البرامج والمواضيع المتعلقة بالمرأة مساحة أكبر في وسائل الإعلام وأن تشارك فيها الصحفيات بشكل كبير.

 

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان.