رحيل شوقي بغدادي... مُعارض جمهورية الخوف بالقصيدة

رحيل شوقي بغدادي... مُعارض جمهورية الخوف بالقصيدة
ملكية الصورة: الإنترنت
تفاصيل برس - دمشق

رحل الشاعر السوري شوقي بغدادي عن 95 عامًا. ويُعدّ من الشعراء العرب المخضرمين، فهو من مواليد مدينة بانياس العام 1928، عاش طفولته في الساحل السوري وتنقل بين مدارس رسمية متعددة فيها وفي طرابلس في لبنان، منذ 1934 حتى 1939، ثم اللاذقية 1939-1945. درس الثانوية في دمشق، 1946-1947، ثم تابع دراسته في جامعة دمشق منتسبًا إلى المعهد العالي للمعلمين، وتخرج بإجازتين في الأدب العربي والتربية صيف العام 1951. أقام في لبنان عامين ونيف، 1959-1961، وخمس سنوات في الجزائر 1968-1972 مدرّسًا، ثم تفرغ للكتابة. وكتب الروائي فواز حداد في رثائه: ألقى الأديب والشاعر شوقي بغدادي بظله على الادب السوري في القرن الماضي وبدايات هذا القرن، وكان واحداً من أكثر الادباء تأثيراً في الحياة الأدبية العامة في سورية، شعرياً وأدبياً وسياسياً، مواقفه لم تتغير في جميع العهود، كان تقدمياً من دون افراط ولا تفريط. رعى الادباء الجدد وكانت له بصمته الواضحة في التيارات الأدبية. لم يكن شاعرا فقط، كتب القصة القصيرة والمسرحية، وكانت له نظرات في النقد، والتنظير الشعري. كما كتب المقالة الاسبوعية في الجرائد السورية، وكان فيها ناقداً للكثير من المظاهر السياسية والادبية والاجتماعية. قدم شوقي بغدادي المثال الناصع للأديب السوري، كان آخر الادباء الكبار الذين حملوا على عاتقهم اعباء لم يتهاونوا عنها يوماً، او يتنازلوا عنها، أو يساوموا عليها". ومن المعروف أن بغدادي ماركسي عتيق أو يساري صعد في الخمسينات، وكان صاحب الدور الفاعل في تأسيس أول تنظيم أدبي سوري العام 1951، تمثل حينها في ما يسمى "رابطة الكتّاب السوريين" التي شاركت في تأسيسها ثماني شخصيات أدبية سورية بارزة هي حنا مينة وحسيب ومواهب كيالي وصلاح دهني وفاتح المدرس وليان ديراني وشحادة الخوري وسعيد حورانية، وانتسب إليها في العام 1952 كل من حسين مروة ورضوان الشهال من لبنان، وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس من مصر، وبعض الكتّاب العرب، ثم تحوّل اسمها إلى "رابطة الكتاب العرب" وانتُخب شوقي بغدادي أول رئيس لها. وعمل بغدادي على دعم الأدباء الشباب، من خلال المنابر التي عمل فيها محرراً وناصحاً للتجارب الإبداعية الجديدة، في ملحق الثورة الثقافي في سبعينيات القرن الماضي، وأسند إليه منصب رئاسة تحرير مجلة "الموقف الأدب". بقي الراحل في دمشق، ولم يغادرها رغم الظروف السيئة التي حلت بالمدينة وبسوريا عموماً بعد الحرب الدموية التي شنها نظام الأسد على السوريين بعد انطلاق الثورة السورية، والتي كان للراحل موقف منها، عبر عنه في غير مكان. يقول: "لا أدري لماذا سحرتني دمشق، منذ مطلع العام 1946، حين انتقلت الأسرة بأكملها إلى العاصمة. حضرت هناك أول عيد للجلاء بعد رحيل المستعمرين الفرنسيين، على ضفاف نهر صاخب (كان صاخبًا حافلًا حينذاك) اسمه نهر بردى، عند مدخل المدينة وقتها، أو في المكان المسمى الآن (جسر فيكتوريا)، شاهدت هناك، مع معظم سكان المدينة الذين هبوا منذ الصباح الباكر إلى ذلك المكان، العرضَ العسكري والشعبي الذي خلب ألبابنا، وصار عيدنا الأكبر كل عام في السابع عشر من نيسان/ أبريل. كنت في المدن الصغرى الساحلية مجرد غلام صغير، وإذا بي أمام مدينة عريقة كبيرة خارقة الحسن والجمال، وعلى الأخص مدينتها القديمة، بآثارها الجليلة وأزقتها الملتوية ومساجدها الواسعة العريقة، وغوطتها التي تحيط بها كحزام أخضر على خصر عذراء فاتنة. في دمشق، عرفت حبي الأول، كانت زميلة لي في كلية الآداب اسمها (مديحة). لم أستطع الزواج بها، لأن أحد الوزراء خطفها مني، وأنا مشغول بتأسيس أول رابطة للكتاب السوريين والعرب في ذاك العهد. ثم أحببت فتاةً أخرى اسمها (إحسان)، لكن الموت خطفها مني هذه المرة بمرض السل! اعتُقل الراحل في زمن الوحدة بين سوريا ومصر، وفي العام 1959 تحديداً، حيث بقي في سجن المزة تسعة شهور، وبعد إطلاق سراحه عاد إلى عمله في تدريس اللغة العربية في ثانويات دمشق، وتابع نشاطه السياسي في الأوساط اليسارية الماركسية السورية. تقول كلود كرول في مقدمة ترجمتها لشعر شوقي بغدادي: "أغوته الاشتراكية التي أفسحت له المجال للمشاركة في مهرجانات الشباب العالمي من خلال الترحال إلى ايطاليا مروراً بهنغاريا فإلى رومانيا فالاتحاد السوفياتي حتى الصين براً في القطار"... وبغدادي من الشعراء المؤدلجين الذين أثرت الأيديولوجية ليس في حياته وسجنه فقط، وإنما في شعره، وبالظروف الموضوعية وجد نفسه مدافعاً ومنافحاً عن الاشتراكيين الشيوعيين السوريين في مواجهة التيارات الأخرى. ومن ذلك قصائده التي قالها في أثناء تجواله في دول المعسكر الاشتراكي، وقصيدته التي قالها في عودة خالد بكداش متوجهاً بها إلى التيارات الأخرى المتصارعة:  

سدّ على الظالم أبوابه

وعمّر الأرض التي خرّبا

سل جيلنا تغريه عن قصده

دنياه. هل ضل. وإن قربا

ما أسقط الباغي لنا طيباً

إلا قذفناه أخاً أطيبا

ولا وهى قلب حيال الدجى

إلا رمينا خافقاً أصلبا

قد يذيب الانسان لا خشية

لو عرف الإيمان ما أذنبا وفي الزمن الأسدي، ونتيجة لمواقفه الحاسمة تجاه المظالم تم حظر اسمه من التداول في الإعلام الرسمي السوري إثر توقيعه بيان إعلان بيروت/ دمشق في أيار/ مايو 2006، ولم تصفح عنه السلطة إلا بعد أكثر من عام. بعد انطلاق الثورة السورية، ساهم الراحل في دعم رابطة الكتاب السوريين التي انطلقت في العام 2012، حيث سجل عضويته فيها. وفي الأعوام الأخيرة، أعلن الراحل تجهيزه لمجموعة شعرية، تشمل القصائد التي كتبها عن المأساة السورية، ونشرها في جريدة "السفير" اللبنانية، وضع لها عنوان "جمهورية الخوف"، وتقول رابطة الكتاب السوريين في بيانها أنه اصدر في العام 2021 ديواناً بعنوان "بعد فوات الأوان" وقد جاء في القصيدة التي منحت الديوان عنوانها: سأعتذر الآن، بعد فوات الأوان، أنا لم أجدد حقولي، ولم أتفق والزمان، وحين عشقت النساء وكنت صغيراً، تركت حصاني ولم أك ممن يجيدون ركب الحصان، كبرت على ظهر قافلة صنعت شاعرا ورمت آخر فتخيلت عندئذ أنني حامل الصولجان. كنت أزرع قمحا، وأحصد في مطلع الصيف حب الزؤان، فإذا عانقتني الصبايا، يخففن عني، شعرت بأن حصادي، مازال يكسب كل الرهان. بلى.. أتذكر جارتنا، كان فستانها واسعاً، فأختبأت هناك على بطنها، عندما دفشتني إليه غلاماً شقياً، وقد حضر الدركي المدجج فوق الحصان، يفتش عني لأني كسرت الزجاج، فلم يرني وأنا غارق في مغار الأنوثة حيث وجدت الأمان، أو حين ولدت ضحكنا طويلا على راكب الخيل، يسقط عن ظهرها، فوق وحل الهوان. سأعتذر الآن، أني ما زلت أرجو السطور، ويهرب مني الكلام الذي لا يقال، وليس له زمن، أو مكان". وفي حياة بغدادي العديد من الجوائز والتكريمات، منها: الجائزة الأولى للشعر والقصة القصيرة من مجلة النقاد الدمشقية، والجائزة الأولى للأناشيد الوطنية، وجائزة اتحاد الكتاب العرب لأحسن مجموعة شعرية، العام 1981، وجائزة البابطين للإبداع الشعري، العام 1998، وجائزة أحمد شوقي للإبداع الشعري من اتحاد كتاب مصر، العام 2021، كما كرم من قبل العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية العربية. وصدرت للراحل أعمال أدبية كثيرة نذكر منها: "أكثر من قلب واحد" 1955، لكل حب قصة" 1962، "أشعار لا تحب" 1968، "صوت بحجم الفم" 1974، "بين الوسادة والعنق" 1974، "ليلى بلا عشاق" 1979، "قصص شعرية قصيرة جداً" 1981، "من كل بستان" - مجموعة مختارات شعرية 1982، "عودة الطفل الجميل" 1985"، رؤيا يوحنا الدمشقي" 1991، "شيء يخص الروح" 1996، "البحث عن دمشق" 2003، "ديوان الفرح" 2010، "بعد فوات الأوان" 2021.

المصدر: صحيفة المدن