بين رواية "مزرعة الحيوان" وسوريا الأسد

بين رواية " مزرعة الحيوان " وسوريا الأسد
ملكية الصورة: الإنترنت
تفاصيل برس - مصطفى عباس (باريس)

كأن رواية " مزرعة الحيوان " لجورج أورويل قد كُتبت لتكون " حفر وتنزيل " على مقاس دولة البعث في حكم حافظ الأسد ووريثه بشار، رغم أن (أريك آرثر بلير) المعروف بـ (جورج أورويل) قد كتب هذه الرواية الشهيرة عام 49 من القرن الفائت، إلا أن أحداث الرواية كانت متقاربة إلى حد التشابه مع تفاصيل الأحداث في سوريا الأسد، فمزرعة الحيوان تأتي كقصة رمزية أو وهمية ذات مغزى سياسي للتعبير عن الكذب والتضليل الذي كانت تمارسه الثورة البلشفية في روسيا.

كما يبدو من الاسم، فإن أحداث الرواية تدور في مزرعة للحيوانات، الذين اجتمعوا وقرروا ان يقوموا بثورة على صاحب المزرعة (الإنسان)، كونه يسلب حقوقهم، ويستغلهم كل أنواع الاستغلال، وبالفعل استطاع الخنازير إقناع بقية الحيوانات كي يثوروا ويطردوا صاحب المزرعة.    وضع الخنازير الشعارات الأولى لمرزعة القصر بعد أن غيروا اسمها ليصبح مزرعة الحيوان، وكانت كلها ضد بني الانسان، وسميت بالوصايا السبع، كوصية " الخير في الاقدام الأربعة والسوء في القدمين " في إشارة رمزية إلى أن شعارات الدول الاشتراكية المستبدة دائما ضد الإنسان وقبل ذلك ضد شعوبها.

كون الخنازير هم أصحاب الفكرة فقد كانت لهم اليد الطولى في المزرعة، وكانت القوانين لا تنطبق عليهم، فيجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، من الحيوانات، فهم الوحيدون الذين يحق لهم أن يشربوا الحليب ويأكلوا التفاح ... ولا داعي هنا لأن أذكر المزايا التي كان يتمتع بها فئة من الناس في سوريا الأسد، فهو ما أشعل نار الثورة وأوصل البلاد إلى ماهي عليه هذه الأيام.

ما ان انتصرت ثورة الحيوانات، حتى تقاتل رفاق النضال، وبدؤوا يكيدون المكائد لبعضهم، حيث استطاع الخنزير " نابليون  "أن يطرد ويشرد رفيق دربه " سنوبول " كي تخلو له الساحة، وكانت التهم جاهزة لكل من لا يقدم الطاعة انه عميل لسنوبول ، وبالتالي يُهدر دمه، وهذا يذكرنا بما فعله حافظ برفاقه حيث سجن من لم يرضخ لأمره، حتى ماتوا داخل السجون رغم أنهم أصحاب الفضل عليه بإدخاله الى عالم السياسة،  ومن فر قبل أن يسجنه حافظ لحقته يد الاغتيال أينما ذهب، مثلما فعلوا مع محمد عمران وصلاح الدين البيطار ، كما أن نابليون جعل من رفيق دربه سنوبول الذي لم يستطع قتله مشجباً يعلق عليه كل خيباته وفشله، وكذلك جعل حافظ أسد من ميشيل عفلق، الذي كان دائماً يتهمه بالتآمر مع صدام حسين لقلب نظام الحكم.

تعرضت مزرعة الحيوان لهجوم من قبل مستر فرديدرك صاحب مزرعة بينشغلد المجاورة لمزرعة الحيوان، واستطاع فريدريك مع جنوده هدم الطاحونة التي استمر بناؤها لسنوات كي يتم توليد الكهرباء من خلالها، وقتل العديد من الحيوانات، ومع عملية التدمير هذه تبخر أهم مشروع في المزرعة، ورغم ذلك اعلن الرئيس نابليون الاحتفال بالنصر!! هذا ما يذكرنا بنكسة حزيران التي باع حافظ الأسد فيها الجولان لإسرائيل، ورغم تلك النكسة واحتلال إسرائيل للجولان إلا أن الاعلام البعثي قال حينها: ان تل ابيب فشلت في هجومها ولم تحقق ما كانت تصبو اليه، كونها لم تستطع إزالة حزب البعث " التقدمي "من الحكم.

وكنتيجة طبيعية للاستبداد وتملق الحاشية أغدق القائد نابليون على نفسه بالأوسمة والاوصاف والنعوت.. وبات كل شيئ في المزرعة يحمل اسمه واسم عائلته ...  فهو الأب الأول والرفيق الأول والمعلم الأول وكل شيئ يرجع الفضل إليه فيه.

الحصان بوكسي الذي كان شعاره " ساجتهد أكثر " وهو الذي كان صاحب الفضل في بناء الطاحونة ثلاث مرات، حيث وقعت بفعل العوامل الجوية أول مرة، ثم أعاد البناء مرة ثانية ففجرها فرديدريك ورجاله، ليعيد بناءها في المرة الثالثة، ولكن عندما كبر ومرض هذا الحصان المخلص باعه نابليون لمسلخ، ثم ادعى أنه ارسله إلى المشفى، وهكذا يفعل كل مستبد حيث يبيع رجاله المخلصين بكل ثمن بخس.. ونحن نرى اليوم كيف رمى ويرمي بشار رجاله كي يموتوا غير مأسوف عليهم .. بينما كانت تتم مبادلة الأسرى الإيرانيين وجنود حزب الله، وينسى بشار رجاله !. 

لم تكن الشعارات التي أبدعتها ادمغة الخنازير إلا مطية للسيطرة على غيرهم، أما التطبيق فكان يختلف حسب الحاجة.. ونحن نتذكر أن حزب البعث إلى الآن ما زال يجتر شعاره الأوحد " وحدة حرية اشتراكية " فبخصوص الوحدة فقد كان بين جناحي حزب البعث في سوريا والعراق أكثر مما صنع الحداد، وأما الحرية فهذه أكثر كلمة يخافها الطغاة، ألم تكن أول صرخة للثورة السورية هي هذه الأيقونة.. وبالنسبة للاشتراكية فقد كانت الطغمة الحاكمة تشارك الشعب مافي جيوبه حتى أمتلأت جيوبها فبات الرفاق رأسماليين تحت مسمى اقتصاد السوق الاجتماعي ... فضلاً عن أن الدستور غُير في نصف ساعة حتى يناسب عمر بشار كي يحكم البلاد عام الفين.

ويا للمصادفة فإن سوريا يحكمها أسد.. وأقوى قائد عسكري سوري يسمونه نمر، بينما المحتل الذي جاء برعاية الأسد والنمر يسمونه الدب الروسي! ويدعم كل هؤلاء سياسياً التنين الصيني وكأننا في غابة!.

يختم أورويل روايته ذات الرموز بأن الخنازير باتوا يجتمعون مع البشر، رغم أن هذا محرم وفقاً لدستور المزرعة، وبات الخنازير يقلدون البشر، حتى لم يعد بالإمكان التمييز بين الخنازير والبشر.. وهكذا يذكرني بما قالته دولة المقاومة والممانعة من بداية الثورة على لسان صرافها السابق، المصادَر الأملاك، والمنتوف الريش حالياً، رامي مخلوف " إن أمن سوريا من أمن إسرائيل "، وأيضاً المفاوضات بين النظام وإسرائيل التي تقول أنباء أنها تدور الآن، فضلاً عن أن الحزب الإلهي الذي أحرق الأخضر واليابس في لبنان بحجة مقاومة إسرائيل هو اليوم يرسم الحدود معها، والترسيم يعني بدون شك الاعتراف، كخطوة أولى تسبق التطبيع، لنكتشف أن المقاومين ليس لهم مهمة سوى الدفاع عن الكيان الغاصب.. بينما كانوا يملؤون الدنيا ضجيجاً بشعارات المقاومة والصمود والتحدي.