بين رواية "سوريو جسر الكولا" وأحداث بْشرّي

بين رواية " سوريو جسر الكولا" وأحداث بْشرّيبين رواية " سوريو جسر الكولا" وأحداث بْشرّي
ملكية الصورة: الإنترنت
تفاصيل برس - مصطفى عباس (باريس)

 ذكرتني الأحداث الجارية في بلدة بشري شماليَّ لبنان برواية "سوريو جسر الكولا" التي يرصد الروائي السوري اللبناني ياسين رفاعية معاناة العمال السوريين في لبنان وتعرضهم لانتهاكات مهولة، خصوصاً بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، حيث بات كل عامل سوري بسيط بنظر (14 آذار) الفريق اللبناني المعارض هو عنصر مخابرات تابع للنظام، وينبغي أخذ الثأر لمقتل الحريري منه، وفي هذه المعمعة قُتل مئات العمال السوريين بوحشية، دون أن يسأل عليهم أحد، أو يطالب بحقوقهم أحد، بما فيها نظام بلدهم الذي ما سأل ولا مرة عن مواطنيه، ولا دافع عن حقوقهم، فهو في عز قوته لم يكن يتذكر السوريين إلا عندما يشكلون خطراً عليه، فحينها لا يتوانى أن يرسل لهم جلاوزته أو عبواته الناسفة كي يغتالوهم. وتاريخ النظام مليء بهذا النوع من الاغتيالات.

 ترصد الرواية التي صدرت عام 2012 حياة وظروف عشرات العمال الذين كانوا يتجمعون تحت جسور بيروت تم قتلهم بطريقة وحشية خلال تلك الفترة، وتفصل في وضع العمال السوريين القادمين من مناطق نسيها النظام، ولم يقم فيها أية مشاريع خدمية، أو خطط لمواجهة موجات الجفاف، فبات السوريون يذهبون إلى لبنان ليعملوا مياومين في " الفعالة" وهي الأشغال الصعبة التي يعوفها اللبنانيون، في المكاسر والمرامل والبناء، مقابل أجر هو نصف ما يحصل عليه العامل اللبناني، فضلاً عن أنهم لا يتمتعون بأية حقوق على صعيد التأمين الصحي وتأمين العمل وغيره. ولكن هذا الراتب الزهيد هو أضعاف ما يحصل عليه العامل في سوريا، ويستطيع السوريون الاستفادة من فرق العملة في لبنان، ليوفروا بعض النقود يحسنوا من خلالها واقع أهلهم في سوريا، التي كان التحول إلى اقتصاد السوق، يسحق في طريقه كل الذين كانوا يصنفون من الطبقات الوسطى، ويحولهم إلى فقراء.

بين رواية " سوريو جسر الكولا" وأحداث بْشرّي

الرواية ذات اللغة البسيطة والسلسة، تبدو مباشرة في بعض الأحيان، خصوصاً فيما يتعلق بتأييد الكاتب لميليشيا حزب الله " المقاومة" التي استطاعت أن تنتصر على إسرائيل! ولكنه عندما يصل إلى اندلاع الثورة السورية يبدو انه مؤيد لها، وحينها انقلب فريق (8 آذار) على السوريين، الذين كان يزاود على حمايتهم قبل فترة، وباتوا مستهدفين من قبله، خصوصاً بعد احتجاز عناصر من حزب الله في مدينة عزاز بريف حلب كانوا في زيارة إلى سوريا، حيث تعرض كذلك المئات من السوريين للاختطاف والقتل والانتهاكات، وفر الكثير من العمال الفقراء الذين كانوا يجدون في الضاحية الجنوبية لبيروت ملاذاً رخيصاً يسكنون به، ليتجمعوا تحت جسر الكولا في العاصمة اللبنانية، بانتظار أن يقلهم باص إلى سوريا، رغم أنها كانت غارقة في حرب بين النظام والمعارضة.

قليلة هي الأعمال التي تتحدث عن معاناة السوريين في لبنان، ولكن الرواية ترصد حتى نهاية عام 2012، بيد أنه بعد هذا التاريخ لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع في الإعلام عن انتهاك تعرض له السوريون، سيما من الفريق المؤيد للنظام السوري، الذي يمارس عنصرية كبيرة ضد السوريين، ويريد أن يضغط عليهم ليعيدهم إلى بلدهم دون أية ضمانات وأية حقوق، تحقيقاً للمساعي الروسية، التي تريد أن تصور النظام على انه انتصر وعاد اللاجئون السوريون إلى بلادهم بفضل الدب الروسي ودعمه.

 وأخيراً جرى تجييش كبير في بلدة بشري، مسقط رأس جبران خليل جبران، على خلفية قتل أحد العمال السوريين مواطناً لبنانياً، فنفخ الإعلام اللبناني المؤيد للنظام في نار هذه الفتنة، إذ تم الاعتداء على عشرات المدنيين من النساء والأطفال، فضلاً عن طرد مئات العائلات من السوريين العاملين في تلك البلدة، ليهيموا على وجوههم في طرقات مدينة طرابلس، دون أي معين لهم أو نصير، بعد أن فقدوا أعمالهم وموارد رزقهم، في جريمة لم يكن لهم يدٌ بها من قريب ولا بعيد، ولكن الفقراء هم يدفعون فاتورة أية خلافات، في بلاد يذهب فيها دائماً الصالح بجريرة الطالح، و"فورة الدم" فيها تعني أنه " تزر وازرة وزر أخرى " ولا يمكن التمييز بين الجاني والبريء، في ظل تجييش إعلامي كبير ضد السوريين، الذين يُراد لهم أن يعودوا إلى بيت الطاعة عند النظام السوري، المتداعي أصلاً، وما عاد يستطيع تأمين حتى الخبز للسوريين في الداخل. وكذلك في ظل غياب تام للمعارضة ومؤسساتها التي ينبغي أن تنبري للدفاع عن هؤلاء السوريين الذين قطعت بهم السبل، ما يعني للأسف أن المأساة مستمرة ما بين جسر الكولا وبلدة بشري، على أمل ألا تمتد إلى غير مناطق، لا في لبنان ولا غيره من بلاد الشتات السوري.