الشاعر سلام حلوم: حلب أول مدينة مأهولة بقلبي الغريب

الشاعر سلام حلوم: حلب أول مدينة مأهولة بقلبيَ الغريب
ملكية الصورة: الإنترنت
حاوره: رزق العبي

 لأن المطارح لم تعدْ موغلة بالعنب، ولأن الشوارع التي يحبّ أن يعبرها وحيداً صارت أيضاً وحيدة، ولأنه أيلول المتلعثم في شفة الفستق الحلبي، ومع ذكريات آثار تعذيب المشمش الواضحة على جلد قمر الدين، في حلب عشقه الأبدي، استضفنا الشاعر سلام حلوم رغم أنه لا يحبّذ ضيافة الصحافة.

وُلد في سراقب عام 1963 وحاصل على دبلوم دراسات عليا في اللغة العربية من جامعة حلب، عمل مدرساً للغة العربية في سراقب وحلب، شارك بتأسيس ملتقى الأدباء الشباب في جامعة حلب عام 1981 وملتقى حلب لقصيدة النثر عام 2009 كما شارك في عدة مهرجانات شعرية دولية وله مجموعة من الدراسات الأدبية والنقدية، وخمس مجموعات شعرية هي:

(مديح شاسع للقش 1991 – كانات الرجل 1999 – الحائط 2006 – يسمونه عندنا 2007 – كما غدا 2010). يعيش حالياً في مدينة روتردام في هولندا.

يعيش حلّوم حالياً صراعات ملأى بالذكريات، التي يتحدّث عنها في كل ما يكتب، وكأنما لا شيء غير الذكريات هو ما تبقى..

 

– ما هي علاقة الشعر بالإيديولوجيا، في خطّ قصيدة  الشاعر سلام حلّوم؟

لا بدّ للشاعر أن يتفلّت من براثنها على صعوبة ذلك كي يتخلص من اليقينيات التي تحوّل الشاعر إلى نبي، وهو المشاغب الفعال وبالتالي يتحول الشعر  إلى وظيفته الحقيقية في كسر احتكار المعرفة والتحول من استثمار العقل في العاطفة إلى استثمار العاطفة في العقل.

– أنت شاعر  متّهم بالموسيقى، ومتّهم بالوضوح؛ أين النثر في قصيدتك، وأين الغموض فيها؟

نعم، إنها الموسيقى الداخلية وليست تلك الموسيقى المستندة الى الإيقاع الناجز، موسيقى تنبع من إيقاع الحروف والكلمات والخيال، وحتى من توزّع السواد على البياض، فلا يمكن للشعر إهمال إحدى مستقبلات الجمال (الأذن) لأنه لا يتلقّى إلا بتراسل الحواس جميعها، أما الوضوح فهو ليس التقريرية حتماً، هو رفض الاستعلاء على المتلقي وبالتالي معياره الجمالي الخروج على البلاغة.

الإنسان، بيّاع الورد، وأبو  فاس، عمّار، نجلاء، وغيرهم، إنسانك الهامشيّ، عناوين لقصائد كتبتها.. كيف أصبح البطل التراجيدي اليوم؟

هؤلاء نماذج همّشها الاستبداد الوطيد، لكنهم في صلب الحياة الواقعية، هم منتجو جمال لا يفطن لهم أحد، ولذلك دخلوا في القصص أبطالاً تراجيديين في عالم يروَّج فيه للقبح من بنطال الجنز الممزّق وحتى الثغرة في طبقة الأوزون.

إذا اتّفقنا أنّ الانتقاء والتكثيف شرط لفنّ الشعر، فمن أيّ منبع تستقي مادّتك، وهل تكفي الطفولة لتكون النبع؟

الطفولة لتشابهها مع قصيدتي مصدر غني من مصادر النّص لكني استثمرها جمالياً في الكهولة، كشاعر، أرى بعينَيْ الطفل كلّ ما يعشق أمامي، لتصبح القصيدة تمريناً على المستقبل.

يتّفق قرّاؤك – بحسب تعليقاتهم – أنّ ما تكتبه يخصّهم، بل وكأنّهم كانوا يريدون قوله قبلك. كيف تسبقهم، وتدهشهم بقول ما يعرفون؟

تلك إحدى جماليات القصيدة حين يَعتبر  صاحبها كل المتلقين شعراء لكنه سبقهم بالقول، هي نفسها تتلاقى مع السهل الممتنع من حيث أنّ الشعر ليس خطاباً متعالياً كما السلطة، بل هو نسيج الوجدان الجمعي.

للمكان دور العصب في قصيدة سلام حلّوم، كيف تسير السيّالة العصبيّة الشعريّة بعد النزوح، وإلى أين؟

ومن قال أنّ في النزوح تنقطع الأمكنة، في الشعر تخرج الأمكنة من الشاعر حتى الموت، فما هي تختصر في مقارنة خفية في المخدة، فالنزوح ليس سوى زمان إذاً، كما يقال في العامية (زمن).

من الملاحظ أنك بعيد عن الشللية الثقافية، ولا تبذل أدنى جهد لتسويق نفسك ونصك، كيف تفسر هذه الحالة؟

لتسويق الشاعر  عتَلات آخرها النص، وأنا لا يهمّني في وجودي غير أن أكون شاعراً، والشللية الثقافية كما أَسميتها هي – ما لم تكن جهوداً جمعيةً لتيار شعري ما-  عصابة يحكمها شرع الغاب ولكن بأثواب مختلفةٍ، دائماً كنتُ أصرّ على القارئ الحقيقي الذي يسأل لمن هذا النص؟ وليس هذا «الفلان» ماذا كتب؟.

المتابع لتجربتك الشعرية يجد أن هناك تطوراً بين مجموعة شعرية وأخرى، فما بين مديح شاسع للقش الصادرة عام 1991 و»كما غداً» الصادرة في 2009 هناك اختلاف واضح في بنية القصيدة وفي خطابها، هل من الصحيح أن يبدل الشاعر من خطه الشعري بشكل متكرر؟

أنا مع أن يغير الشاعر خطه في القصيدة الواحدة، فما بالك في ديوان أو مجموعة دواوين، الركود يُفسد حتى الماء، وطالما لا تكسُّب في الشعر، فالهاجس هو شبيه الحياة التي لا تكرر حتى شمها.

في مجموعة «الحائط»، قرأنا تجربةً جديدةً حينما جعلت الأشياء والجمادات تنطق وتتحدث عن نفسها، وما زالت بعض نصوصك المنشورة على صفحتك الشخصية تنحو ذات المنحى، هل نعتبر أن هذا خط جديد يشتغل الشاعر عليه؟

نعم، منذ مجموعة الحائط اتجهت بالقصيدة نحو الجمادات ذات الحمولة المعرفية والجمالية، في شُغلٍ شعري هاجسهُ لفت النظر  إلى كثيرٍ من عناصر الوجود التي تمتلك بعداً جمالياً غير ذاك المتعارف عليه، الأمر الذي شدّني في المجموعات بعدها إلى التعاطي حتى مع المتناهي في الصغر.

في السنتين الأخيرتين قرأنا لك نصوصاً كثيرةً في صفحتك الشخصية، ولكنك لم تنشرها في كتاب، هل هناك نيّةً للنشر قريباً، أم أنك عازف عن النشر حالياً؟

لم أفتّش يوماً عن دار نشر، وكل ما طبعت هو بجهود الأصدقاء وبخاصة صديقي الناشر «حسين برو» فله الفضل في إصدار مجموعاتي عبر دار «كوبيا» وملتقى قصيدة النثر في حلب، لكننا الآن بعيدين في الجغرافيا، وننتظر معاً إصدار الجديد في دواوين.

حلب تظهر في قصائدك كحبيبة أزلية، ما سرّ هذه العلاقة مع حلب؟

حلب هي السرّ نفسه، مسقط القلب، أول مدينةٍ مأهولةٍ بقلبيَ الغريب، أَحبّها التاجر والسائح والرحالة والضيف، فما بالك بمن عاش فيها زين شبابه.

حوار سابق مع الشاعر أجراه رزق العبي لجريدة زيتون