نزهة الانام في محاسن الشام.. دمشق بين الماضي والحاضر

نزهة الانام في محاسن الشام.. دمشق بين الماضي والحاضر
ملكية الصورة: الإنترنت (تعبيرية)
تفاصيل برس - مصطفى عباس (باريس)

 يؤكد كتاب "نزهة الأنام في محاسن الشام" للقارئ أن تلك المدينة كانت في يوم من الأيام جنة تجري من تحتها الأنهار، بكل ما للكمة من معنى، وفيها من الفواكه ما لا يحصى من الأنواع والأصناف، فالعنب له مايزيد عن الخمسين نوعاً، وكلها تُزرع في دمشق وماحولها، والمشمش له عشرون نوعاً، والدراق عدد من انواعه ستة عشر نوعاً، وغيرها الكثير من الأنواع التي لا نعرف أغلبها. وقد نستغرب إذا علمنا أن الموز كان يُزرع حينها في الشام.

الكتاب ألفه عبد الله بن بدري المصري الدمشقي في القرن الخامس عشر الميلادي، بعد غزو تيمورلنك للشام بنحو قرن، وقبل معركة مرج دابق التي دخل على إثرها العثمانيون إلى سوريا، ورغم أن الشام تشمل سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والكاتب قد ذكر هذا الشيء أثناء كلامه إلا أن يقصر حديثه على دمشق وغوطتيها، فيسهب في فضائل الشام والأحاديث النبوية التي قيلت فيها، دون التأكد من صحة هذه الأحاديث وأسانيدها، فضلاً عن ذكر الصحابة وآل البيت الذين ووروا الثرى على أرض الشام، وأكسبوها بركة إلى يومنا هذا.

وعلى عادة المؤلفين في ذلك العصر فالكتاب قد يشمل علوماً شتى من التاريخ والشعر إلى الحديث والسيَر وحتى الطب، فعندما يذكر أنواع الفواكه الموجودة في الشام حينها يأتي على فوائدها الصحية، ويستشهد في سبيل ذلك بما ذكره الأطباء الإغريق والرومان وصولاً إلى المسلمين من أبقراط إلى جالينوس فابن سينا وغيرهم. والشعر قد نال حيزاً كبيراً من الكتاب سواء في فضل الأماكن أو حتى الفواكه ووصف الحال.

 الأزهار والورد في لا تغيب عن الكتاب، فرائحة الورد كانت دائماً فواحة في الشام، ورغم أنه عدد عشرات الأنواع من الأزهار إلا أني لا أذكر أنه ورد بينهم " الياسمين" الذي باتت دمشق توصف به اليوم، تلك المدينة التي لا يمكن أن تذكر ولا يذكر معها نهرها الخالد، الذي أضحى في السنوات الأخيرة ساقية صغيرة ذات رائحة كريهة، نتيجة مياه المجاري التي يتم تحويلها على النهر، خصوصاً من المطاعم والمقاهي المقامة على صفافه، في ظل إهمال حكومي. طبعاً يفصل المؤلف في الأفرع السبعة التي يتألف منها النهر، ويشير إلى أن المياه الآسنة الناتجة عن المجاري والتي كانت وما تزال تسمى " قليط" تسير في مجرى غير مجرى بردى، الذي كان في أغلب فروعه عذباً زلالاً يمكن للمرء أن يشرب منه.

أما النزهات (السيارين) فيكثر في وصفها والأمكنة التي يذهب إليها المتنزهون للترويح عن أنفسهم، ويوم الجمعة هو يوم السيران بامتياز. فضلاً عن  دمشق السبعة وتاريخ الجامع الأموي، وكيف أن الوليد بن عبد الملك عندما اتم بناء المسجد خطب بالناس فقال: يا اهل الشام إنكم تفتخرون على الناس بثلاث: مائكم وهوائكم وفاكهتكم وأنا أردت أن أضيف إليها مسجدكم. الكاتب يشير إلى أن المسجد الأموي كان على الدوام مفخرة لدمشق.

دمشق التي تحيط بها غوطتاها الشرقية التي تصل إلى الصحراء والغربية التي تبلغ حتى لبنان، ذكر المؤلف نقلاً عن الذهبي، وهو مؤرخ ومحدث " وأجمع سواح الأرض والأقطار على أن متنزهات الدنيا اربع:(صغد سمرقند) و(شعب بوَّان) و(نهر الأبلة) و(غوطة دمشق).

قال أبو بكر الخوارزمي في رحلته: رأيتها كلها فكان فضل غوطة دمشق على الثلاث كفضل الأربعة على غيرهم، كأنها الجنة وقد زخرفت وصورت على وجه الأرض".

دمشق تلك المدينة الحزينة السليبة، تعيش اليوم أسوأ أيام تاريخها، بعد ما أصابها من حكم البعث، وما أعقبه من هجرة الملايين وسكنهم في أحياء عشوائية على أطراف دمشق، ثم القضاء على البساط الأخضر الذي كان يحيط بالشام على امتداد القرون، عبر السماح للناس بالبناء في المناطق الزراعية، بدل أن يبنوا في المناطق الجرداء، رغم وجود مخطط تنظيمي، ولكن كل قانون في سوريا الأسد يمكن تجاوزه بقليل من الرشوة للمسؤول الأمني، الذي هو الآمر والناهي في البلدية والمكتب التنفيذي فيها، المسؤول عن البناء.

ويعرف أهالي المدن المحيطة بدمشق الكثير من عناصر وصف ضباط الأمن الذين دخلوا إلى مدنهم فقراء وفي غضون سنوات أصبحوا من رجال الأعمال الذين يمتلكون الكثير من العقارات، وما ذلك إلا نتيجة الكم الكبير من تراخيص البناء المخالفة التي أعطيت للتجار، وكان لهؤلاء الأمنيين حصة كبيرة منها.