هجرة لم تكن تخطر على بال: سكّان مناطق سيطرة "نظام أسد" هكذا يهربون من المجاعة!

هجرة لم تكن تخطر على بال: سكّان مناطق سيطرة "نظام أسد" هكذا يهربون من المجاعة!
ملكية الصورة: الإنترنت (تعبيرية)
رزق العبي

وصلت "أم عبد الرحمن" إلى مصر، قبل أيام، قادمة من مناطق سيطرة نظام أسد، بعد سنوات من الصبر المرير على ما وصفتها بـ "المأساة" في إشارة إلى فقر الحال وضيق الحياة في حماة، حيث كانت تسكن. خرجت هي وأولادها وزوجها من سوريا، وهم يحملون حقائب كانتَ آخر ما يملكون في وطنهم، بعدما اضطروا لبيع منزلهم في مدينة حماة، بثمن بخس قياساً بسعر صرف الليرة السورية، ثم انتهى بهم المطاف في القاهرة. تقول "أم عبد الرحمن" إن "كل ما يأتي من أخبار عن الواقع المعيشي القاسي في حماة أو دمشق أو حلب، هو جزء بسيط مما يحصل على أرض الواقع"، وتؤكد أنّ آلاف السكّان في حماة يتمنون الخروج من البلد خشية الوصول إلى مجاعة حقيقية، لكنّ الكثير منهم لا يملكون المال لأجل الخروج. وتضيف: بعدما ضاقت بنا الحال، وأصبحت أكثر ساعات أيامنا نقضيها على طوابير الخبز والغاز، قررنا أن نبيع بيتنا ونسافر على الفور، وعندما عرضناه للبيع تفاجأنا بأن أسعار الشراء رخيصة جدّاً، وبالليرة السورية، ولكن لم يكن أمامنا سوى أن نبيع ونترك البلد، ولم نجد سعراً أعلى من 50 مليون ليرة سوريّة، وهذا الرقم قياساً بسعر صرف الليرة أمام الدولار الأمريكي هو رقم زهيد جدّاً.

موافقة أمنية للبيع يتطلّب بيع العقار أو السيارات أو الأراضي في مناطق سيطرة نظام أسد، إلى موافقة أمنية، يحصل عليها صاحب العقار من "شعبة الأمن السياسي" في منطقته، وهذه الموافقة لا تعطى لمن لديه أحد مطلوب للخدمة العسكرية أو متخلف عن الاحتياط أو منشق أو على صلة بالفصائل، أو ثبُت أن لديه قريبا ويتواصل معه في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

عن هذا يحدّثنا "أحمد" الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أنّه قرر بيع بيت العائلة في حماة، مخططاً للسفر إلى أي دولة والخلاص من الوضع المعيشي والأمني. لكنه فوجئ بنقطة حمراء في الطابو تمنعه من البيع. يقول المتحدث إنّ لديه شقيقا مطلوبا للنظام منذ عام 1981 واضطر منذ ذلك الحين للهروب إلى خارج سوريا، وتوفي منذ أكثر من عشر سنوات في بلاد اللجوء، وباعتباره وريثاً فله حصّة في البيت، لكنّ النظام يرى في تلك الحصّة أنها ملك لشخص ينتمي إلى جماعة "الإخوان المسلمين" ومطلوب، وإلى اليوم لم نتمكن من بيع المنزل لهذا السبب. ويوضح أنه لجأ إلى السماسرة فتوصلوا إلى حلّ، يقضي ببيع حصص الإخوة كافة باستثناء حصة الأخ المطلوب، الذي توفي أصلاً. وللوقوف عند هذه الإشكالية، تحدّث المحامي، مصطفى الرحال، عن خلل واضح في تطبيق القانون في هذه الناحية، قائلاً: إنّ القانون مثل الشرع، ينطلق من مبدأ الآية القرآنية التي تنصّ على أنه "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ" وبالتالي لا يجوز قانوناً ولا شرعاً توقيف البيع أو منعه في حال وجود إشكال أمني، كما أنّ موضوع العقارات التي تعود بعض ملكيتها بحكم الورثة، لشخص مطلوب، فهذا يطبّقه النظام من مبدأ أنه لا يحقّ لأحد بيع ملك غيره دون تفويض، وهنا يجب إزالة الشيوع بالإفراز أو الإزالة، لأنه بعدم تنفيذ ذلك فإن للنظام الحق في منع البيع لأنه فصّل القانون على مقاسه وحسب توجّهاته وكلنا يعرف النظام وسطوته الأمنية على القانون وعلى كل مفاصل الحياة في سوريا.  سطو بالقوة في شأن آخر، نوّه سكّان في دمشق إلى أنّ الكثير من "الشبيحة" وأصحاب النفوذ الأمني، يسكنون بيوتاً ليست لهم، خصوصاً تلك البيوت التي تركها أصحابها وهربوا من بطش النظام وانضموا إلى صفوف الثورة.

وقال أحد سكّان دمشق القديمة، إنّ وجوه سكّان الأحياء القديمة تغيّرت منذ 10 سنوات إلى اليوم، موضحاً أنه بإمكان أي متنفذ له سطوة أمنية، أن يأتي بورقة من أي فرع أمن تسمح له بالسكن في منزل تركه أهله، علماً أن أوراق المنزل قانونية وتعود ملكيتها لأصحابها الحقيقيين. ويتخوّف الكثير من السكّان  من لجوء النظام ومرتزقته إلى تزوير أوراق الطابو للمنازل التي تركها أهلها أو لا يستطيعون الوصول إليها، في إشارة إلى التوغّل الشيعي في دمشق على وجه الخصوص، التي شهدت تغييراً ديموغرافياً في بعض أحيائها القديمة. الليرة تنهار بشكل متسارع معيشيّاً يؤكد عدد من السكّان الذين تحدّثنا إليهم، أنّ الناس ضاقت ذرعاً بالواقع المعيشي، وأصبح العامل يقضي أغلب يومه في العمل، إن وُجد، لتحصيل ما لا يسدّ رمقه. وفي هذا الشأن تحدّث "سامر" الذي يعمل في دمشق يومياً 16 ساعة، لتحصيل 5 آلاف ليرة سوريّة (دولار واحد) وفق أسعار صرف اليوم. مؤكداً في الوقت نفسه غلاء كل شيء، حتى أصبحت اللحوم بأنواعها حلماً عند السوريين في مناطق سيطرة نظام أسد. وتجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي في دمشق وحلب 4500 ليرة سوريّة، في حين تجاوز سعر صرف اليورو 5300 ليرة سورية، وهو ما يجعل الليرة السورية مهددة بالانهيار الكامل والذي كانت أولى ملامحه طبع قطعة نقدية بقيمة 5000 ليرة، في حين أنها لا تزال عملة متداولة في أسواق نظام أسد. 

المصدر: أورينت نت