"جرائم القتل ضد السوريين في تركيا".. الجذور الاجتماعية والسياسية
تُعدّ حادثة مقتل الطفل السوري "عبداللطيف دوارة (15 عامًا)، والتي وقعت في منطقة غازي عثمان باشا بإسطنبول، مأساة أخرى تعكس واقعًا مريرًا يعاني منه اللاجئون السوريون في تركيا.
هذه الحادثة، التي تتكرر في عدة مناطق تركية، تشير إلى وجود نمط من العنف ضد اللاجئين، يدفع للتساؤل عن أسباب هذا التصاعد في الاعتداءات العنصرية ومدى تأثيرها على النسيج الاجتماعي في البلاد.
تشير العديد من الدراسات إلى أن اللاجئين السوريين في تركيا أصبحوا هدفًا للكراهية والعنف بسبب تزايد التوترات الاقتصادية والسياسية.
فمع تضخم عدد اللاجئين السوريين، زاد الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة، ما أدّى إلى تضخم مشاعر السخط بين بعض الأتراك.
ومع تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة، أصبح اللاجئون "كبش فداء" سهلًا لتحميلهم مسؤولية تدهور الأوضاع.
دور وسائل الإعلام
لعبت وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تأجيج هذه المشاعر عبر تسليط الضوء على قصص سلبية عن اللاجئين، مما يُشوه صورتهم العامة ويزيد من حدة التوترات بينهم وبين المجتمع المحلي.
يُضاف إلى ذلك الاستغلال السياسي لهذه المشاعر من قبل بعض الأطراف السياسية التي تسعى للاستفادة منها في الانتخابات والحملات الدعائية.
العنف والعنصرية الممنهجة
حادثة مقتل "عبداللطيف" ليست حالة فردية، فقد تكررت حوادث عنف ضد السوريين في مناطق عدة من تركيا.
تعرضت اللاجئة السورية "نايا السفان" الأسبوع الماضي في إسطنبول لمحاولة قتل بطلق ناري بشكل متعمد ووحشي من شاب تركي بعد مضايقات مستمرة، رغم تقديمها شكاوى متكررة للشرطة.
فالاعتداءات التي يتعرض لها السوريين خلال حياتهم اليومية تشير إلى مدى تغلغل مشاعر العنصرية لدى بعض أفراد المجتمع التركي، ما يزيد من مأساوية الأمر هو أن هذه الحوادث تحدث غالبًا على مرأى من السلطات المحلية هناك دون اتخاذ إجراءات رادعة.
إن استهداف الأطفال بشكل خاص، كما في حالة عبداللطيف، يكشف عن وجود نمط مقلق من التصعيد العنصري ضد الفئات الأكثر ضعفًا، فالعنف هنا لا يقتصر على المهجرين البالغين، بل يمتد ليطال الأطفال، وهو ما يدل على أن من يشعل هذه الهجمات لا يتوقف عند حدود الرحمة أو الإنسانية.
عوامل وأسباب
هناك عدة عوامل تُفسر انتشار هذا العنف، من الناحية الاجتماعية، يعاني الأتراك من أزمة اقتصادية خانقة جعلت اللاجئين في مرمى السخط العام.
أما من الناحية السياسية، فتتلاعب بعض الأطراف بهذه الأوضاع لتغذية مشاعر الكراهية وتحقيق مكاسب سياسية، سواء عبر التركيز على ملفات اللاجئين في الحملات الانتخابية أو من خلال تحريض الناس ضدهم تحت دعاوى الحفاظ على "الهوية الوطنية".
لكن هذا العنف ليس ناتجًا فقط عن الاحتكاك اليومي أو الأوضاع الاقتصادية، فالتصعيد العنصري يعكس كذلك خوفًا من التغيير الديموغرافي الذي قد يؤدي إلى تغيير شكل المجتمع التركي، هذه المخاوف تغذيها الأفكار القومية المتطرفة التي ترى في السوريين خطرًا على "نقاء" المجتمع التركي وهويته.
إذا لم تتخذ الحكومة التركية خطوات جادة في مواجهة هذه الظاهرة، فإن استمرار هذا العنف قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على مستوى الأمن الداخلي والنسيج الاجتماعي.
إذ قد تتحول الاعتداءات الفردية إلى ظاهرة أكثر تنظيمًا وتنسيقًا، ما يعمق الانقسامات ويزيد من خطر اندلاع صراعات حقيقية، كما أن الأطفال السوريين الذين يشهدون هذه الجرائم أو يقعون ضحايا لها قد ينشؤون وهم يحملون مشاعر عميقة من الغضب والرفض، ما يخلق جيلاً مشحونًا بالكراهية والعداء.
المجتمع ودوره
يبقى دور المجتمع الدولي ضروريًا للضغط على الحكومة التركية لاتخاذ تدابير أكثر صرامة لحماية اللاجئين ومنع تصاعد الكراهية والعنف ضدهم، يتوجب على الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية تسليط الضوء على هذه الانتهاكات وتوثيقها، وكذلك تقديم الدعم اللازم للضحايا وأسرهم.
مقتل "عبداللطيف دوارة" هو تذكير مؤلم بأن اللاجئين السوريين في تركيا يواجهون تحديات يومية تتجاوز مجرد التكيف مع واقعهم، فهم يُواجهون عنفًا عنصريًا ممنهجًا يُغذيه الغضب الاجتماعي والسياسي، لا بد من مواجهة جذور المشكلة المتمثلة في التمييز والتحريض، والالتزام بحماية حقوق اللاجئين كمبدأ إنساني وأخلاقي.