احتفال بالقصاص.. أم تذكير بالدماء؟

مصدر الصورة: لقطة شريط فيديو
مصدر الصورة: الإنترنت
مريم الإبراهيم - تفاصيل برس

منذ انطلاق الثورة السورية في آذار عام 2011، مرّت سوريا بتحولات عميقة ودائمة على الصعيد السياسي والاجتماعي، تسببت في معاناة كبيرة للسكان المدنيين.

ولعبت بعض الجهات الفاعلة دورًا محوريًا في تأجيج هذه الأزمات، من بين تلك الأطراف ميليشيا حزب الله اللبناني، الذي كان يتزعمه "حسن نصر الله" وهو واحد من أبرز الداعمين لنظام بشار الأسد.

ومن خلال هذا الدعم ارتكب الحزب انتهاكات واسعة بحق المدنيين، مما أثار موجة من الغضب والكراهية بين أطياف الشعب السوري، وأدى إلى تصاعد الاستقطاب الطائفي في المنطقة.

دور حزب الله في سوريا

منذ بداية الثورة السورية، قدّم حزب الله دعمه العسكري والسياسي للنظام السوري تحت ذريعة محاربة الإرهاب وحماية المقاومة، برغم تبريراته، أثبتت الوقائع على الأرض أن تدخله كان له أثر كبير في تأجيج الصراع وتحويله إلى حرب طويلة الأمد.

يزعم الحزب أن تدخله جاء لحماية ما يقول عنها "المراقد المقدسة" والدفاع عن محور المقاومة في مواجهة الجماعات المسلحة، إلا أن الواقع يكشف أن هذا التدخل كان في جوهره دعمًا لنظام قمعي قتل وشرّد الملايين من المدنيين.

الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين

الجرائم التي ارتكبتها القوات الموالية للنظام السوري، بما في ذلك حزب الله، كانت صادمة بكل المقاييس، تعذيب المعتقلين حتى الموت، تدمير المدن والقرى، وتشريد ملايين السوريين كانت كلها جزءًا من استراتيجية عسكرية لا تعرف الرحمة، الصور المروعة التي خرجت من سوريا "من جلود أُحرقت وجثث مُزقت" لا تزال عالقة في أذهان الناس، وتزيد من حجم الكراهية.

أحد الأسباب التي تجعل هذه الجرائم تتردد في الأذهان حتى اليوم هو أن مرتكبيها، بمن فيهم حزب الله، لم يواجهوا محاسبة حقيقية، العدالة المتأخرة أو المفقودة تترك ندوبًا عميقة على الشعب السوري الذي عانى من هذه الجرائم، يظل الشعب السوري الحر ، خاصة أولئك الذين فقدوا أحبائهم أو تعرضوا للتعذيب، ينتظرون لحظة القصاص.

تأثير هذه الجرائم لم يكن محصورًا في الجوانب الجسدية فقط، العنف الوحشي الذي شهده المدنيون في سوريا خلق جروحًا نفسية عميقة، الأطفال الذين شهدوا مقتل آبائهم، والنساء اللواتي فقدن أزواجهن، والمعتقلون الذين نجوا من أهوال التعذيب، جميعهم يواجهون تحديات نفسية طويلة الأمد، هذه الصدمات ليست فردية فقط، بل تتغلغل في نسيج المجتمع بأسره.

على المستوى الاجتماعي، أدى تورط حزب الله في الصراع السوري إلى تصاعد الكراهية الطائفية، ليس فقط داخل سوريا ولكن في المنطقة بأسرها، الطائفية التي كانت قنبلة موقوتة في لبنان والعراق وسوريا تحولت إلى واقع يومي يمزق المجتمعات ويعمق الانقسامات.

يوم "الانتصار" وذاكرة المجازر

الاحتفال الذي عاشه ويعيشه أحرار سوريا في الداخل والخارج بمقتل شخصية بارزة وطاغية كـ "حسن نصر الله" يٌثار سؤال مهم: هل يمكن للجرحى والمهجرين والمظلومين في سوريا أن يحتفلوا حقًا بهذا "النصر"؟.

بالنسبة للكثيرين، هذا اليوم ليس مناسبة للفرح بقدر ما هو تذكير بالمجازر والدمار الذي شهدوه على مدار السنوات الماضية، كيف يمكن للأشخاص الذين فقدوا أسرهم ومنازلهم أن يشعروا بالانتصار في يوم مقتل شخص كان جزءًا من آلة القمع؟

من جهة أخرى، هناك شعور عام بأن هذا الحدث يمثل نوعًا من القصاص الإلهي، وفاة "طاغية" من طغاة العصر تعتبر، بالنسبة للسوريين الأحرار، خطوة نحو تحقيق العدالة الإلهية، حتى لو كانت العدالة البشرية لا تزال بعيدة المنال، ولكن حتى مع هذا الشعور، يبقى الألم والخسارة حاضرَين في كل لحظة، مما يجعل من الصعب على الكثيرين الاحتفال دون استحضار ذاكرة المجازر.

الدعوات إلى العدالة والمحاسبة

إحدى الحجج الرئيسية التي تُطرح في هذا السياق هي ضرورة تحقيق العدالة والمحاسبة، لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض بعد حرب أو صراع دموي دون مواجهة ماضيه والتعامل مع جرائمه، في الحالة السورية، يبقى هذا التحدي أكبر مما يمكن تصوره، فقد نجحت العديد من الجهات المتورطة في الصراع، بما في ذلك حزب الله والنظام السوري، في الإفلات من العقاب حتى الآن.

ولكن بالنسبة للناجين من المجازر والتعذيب، العدالة ليست مجرد مطلب قانوني، بل هي ضرورة أخلاقية لتضميد الجراح وإعادة بناء الثقة في الإنسانية، العدالة ليست فقط محاسبة الجناة، ولكنها أيضًا إعادة بناء المجتمعات المدمرة وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناجين.

في نهاية المطاف، لا يمكن اختصار معاناة الشعب السوري في بضعة أسطر، التدخل العسكري لحزب الله في سوريا كان له تداعيات كارثية على ملايين المدنيين، وخلق حالة من الانقسام الطائفي والنفسي والاجتماعي الذي سيستمر لفترة طويلة، ومع ذلك، يبقى الأمل معقودًا على تحقيق العدالة في يوم ما، ذلك اليوم الذي قد يشهد فيه الجناة محاكمتهم، وقد يبدأ الناجون في استعادة حياتهم بعيدًا عن كوابيس الماضي.

الأحداث الجارية في سوريا، بما في ذلك الاحتفال بوفاة الطاغية "نصر اللات"، هي تذكير دائم بمدى تعقيد هذا الصراع ومدى حاجتنا إلى مواجهة ماضيه بشجاعة إذا أردنا بناء مستقبل أفضل.