في اليوم الدولي للترجمة.. هل وصلت رسالتنا إلى شعوب العالم من لغات مختلفة؟
منذ بدأ السوريون في آذار/ مارس عام 2011 ثورتهم ضد نظام الحكم في البلاد، توجّهت وسائل الإعلام العربية منها والعالمية إلى نقل ما يجري في سوريا، وأصبح الخبر السوري أولاً في تلك الوسائل. مما دفع السوريين إلى نقل صوتهم للعالم بلغات مختلفة.
اليوم وبعد ما يزيد عن 13 عاماً على انطلاق الثورة السورية، وانتشار ملايين السوريين في دول العالم، قد لا يبدو للكثير منهم بأن تلك الشعوب تعرف تماماً ما حصل ويحصل في سوريا، إذ يبدو أنّ "ترجمة موادنا" الإعلامية إلى لغات مختلفة لم يكن على قدر من الانتشار أو المسؤولية بعض الأحيان، وفق ما يرى الكثيرون.
لماذا نناقش هذا الموضوع اليوم؟
يصادف اليوم 30 أيلول من كل عام "اليوم الدولي للترجمة" والذي اختارته الأمم المتحدة لتحتفل بعيد القديس جيروم، الذي يُطلق عليه "شفيع المترجمين". وهو من شمال شرق إيطاليا، والذي ترجم "الكتاب المقدس" من وإلى لغات مختلفة.
وقالت الأمم المتحدة، إنّه "يُراد باليوم الدولي للترجمة إتاحة الفرصة للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يلعبون دورًا مهمًا في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين".
إن نقل العمل الأدبي أو العلمي، بما في ذلك العمل الفني، من لغة إلى لغة أخرى، والترجمة المهنية، بما في ذلك الترجمة المناسبة والتفسير والمصطلحات، أمر لا غنى عنه للحفاظ على الوضوح والمناخ الإيجابي والإنتاجية في الخطاب العام الدولي والتواصل بين الأشخاص.
وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 71/288 بشأن دور المتخصصين في اللغة في ربط الدول وتعزيز السلام والتفاهم والتنمية، وأعلنت يوم 30 أيلول/سبتمبر يومًا دوليًا للترجمة.
تأثير الخطاب الإعلامي في الوصول إلى الدول
يرى صخر إدريس، صحفي سوري، وأمس سرّ رابطة الصحفيين السوريين، بأنّ "الترجمة لعبت دوراً كبيرا، ولكنها كانت سلاحا ذو حدين، الترجمة خدمت بشكل ملحوظ في إيصال أصوات السوريين للعالم الخارجي، وسمحت للقصص الفردية والمعاناة الإنسانية أن تصل إلى جمهور واسع في الدول الغربية وغيرها، كما أن العديد من الصحفيين الأجانب اعتمدوا على مترجمين محليين لنقل ما يجري على الأرض".
وتابع في حديث لـ "تفاصيل برس": من الناحية الأخرى رغم أهمية هذا الدور، كانت هناك تحديات كبيرة، فبعض الترجمات لم تكن دقيقة بما فيه الكفاية لنقل السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي المعقّد الذي تعيشه سوريا. وفي أحيان كثيرة، كانت الترجمة تتجاهل أو تسيء نقل العواطف والألم الذي يختبره الناس على الأرض، هذا قد تسبب أحيانا في تشويه الصورة أو على الأقل تقليل حدة المعاناة في أذهان المتابعين الغربيين، الذين يتعرضون لخطاب إعلامي مختلف عن الخطاب العربي المحلي.
وعن تأثير الخطاب الإعلامي في الوصول إلى الدول، يعتقد "إدريس" بأنه "اختلف حسب الوسيلة الإعلامية والموقف السياسي للدولة المستقبلة، العديد من الدول الغربية تأثرت بالفعل بتغطيات إعلامية مكثفة واستقبلت لاجئين ودعمت بعض الحلول السياسية، لكن هناك أيضاً دول كانت لديها أجندات سياسية دفعتها لعدم التفاعل بالشكل الكافي مع تلك المعاناة، رغم التغطية الواسعة".
مثلا، يوم بدأ القصف الشديد على الغوطة بداية عام 2018، أنشأنا مجموعة تضم الصحفيين من عدة وسائل إعلامية دولية مثل بي بي سي و سي إن إن ووسائل اعلام كندية وأوروبية، بالإضافة إلى الصحفيين والناشطين المحاصرين في الغوطة، وهنا وقعنا في أزمة الترجمة، وكان هناك بشكل شخصي عبء كبير عليَّ شخصياً في ترجمة الأسئلة التي يطرحها الصحفيون من وسائل اعلام غربية والأجوبة التي يجيب عليها الصحفيين والناشطين في الغوطة، علما أن الكثير من الأخبار خرجت من هذه المجموعة، ولكنها لم تكن بشكل منظم او ممنهج، بل مبادرات فردية مرهقة، أيضا نفس المجموعة لاحقا تم استخدامها لبقية المناطق، حيث كنا ندخل إليها ناشطين وصحفيين من مختلف المناطق التي تتعرض للقصف وتسليط الضوء على ما يحصل كصلة وصل. والكلام لصخر إدريس.
لكن "الترجمة والخطاب الإعلامي قد نجحا في إيصال بعض جوانب ما يحدث في سوريا، لكن لم يكن التأثير دائماً بحجم التوقعات، بسبب العوائق اللغوية والثقافية وأحياناً السياسية وعلى رأسها التنظيمية".
جلال سليمان: هناك الكثير ممن يؤمن بعدالة قضيتنا
في عام 2011 بدأ الصحفيون من دول مختلفة بالتوافد إلى سوريا لنقل ما يحصل وقد قُتل منهم عدد ليس قليلاً واختفى قسرياً عدد آخر، لا سيما الصحفي الأمريكي أوستين تايس.
كانت سوريا حاضرة بقوة في الإعلام الغربي وبوضوح تام، وكان بشار الأسد يُوصف في الإعلام بـ الديكتاتور، والمجرم، والكثير من الألقاب التي تناسب ما فعله بالسوريين.
يرى الصحفي السوري جلال سليمان بأن "هناك الكثير ممن يؤمن بعدالة قضيتنا لكن ينقصه السياق الصحيح للأحداث بعيداً عن شعبوية بعض النشطاء" مشيراً إلى أنّ "الترجمة خدمتنا كثيراً وأظنّ أنه يجب العمل عليها أكثر لتوسيع نطاق الترجمة إلى لغات أخرى غير الرئيسية كالإنكليزية أو الفرنسية سيكون ممتازاً جداً".
ويعتقد "سليمان" أن "من لديه من الشعوب الأخرى حكم مسبق على قضيتنا أو يتبنى رواية النظام لن يبحث عن السياق الصحيح لذلك الترجمة قد تجبره أو تجبر غيره على رؤية القضية من زاوية جديدة".
عقيل حسين: ما ترجم من أعمال فنية وسينمائية وصحفية عوَّض النقص الحاصل في الأعمال الأدبية والأبحاث
بالتوازي قال الصحفي السوري عقيل حسين" إنّه "لا شك أن أي عملية ترجمة هي من حيث المبدأ عملية إيجابية، لكنها تصبح شديدة الأهمية عندما تكون لديك قضية كبيرة تريد إقناع الآخر بها وحشد الجماهير في صفك من أجلها".
وأضاف: كثوار سوريين ورغم قلة الجهد المبذول على هذا الصعيد، إلا أنني اعتقد أن ما ترجم من أعمال فنية وسينمائية وصحفية عوَّض النقص الحاصل في الأعمال الأدبية والأبحاث".
وقيَّم "عقيل" رأي الأوروبيين بالقضية السورية كما وصلتهم عبر الإعلام، حيث اعتبر أنّ "القضية السورية وصلت بشكل جيد للرأي العام هناك من خلال الإعلام والمواد الصحفية المترجمة".
وعزى انكفاء الغرب عن متابعة القضية السورية في الفترة الحالية بسبب "التوتر الأخير في المنطقة والتصعيد بين إسرائيل ومحور إيران" كما اعتبر أنّ التوتر الأخير كشف "القصور الشديد لدينا في مخاطبة الجمهور في الدول المسلمة غير الناطقة بالعربية واعتقد أن هذه ثغرة كبيرة يجب العمل عليه وأن تنصب جهود الترجمة عليها".
ريم هاشم: المترجمون كان لهم دور كبير في ثورات الربيع العربي
كذلك، اعتبرت "ريم هاشم" التي تعمل في الترجمة أنّ دور المترجمين خلال الثورة السورية وعموم ثورات الربيع العربي، وكان لهم الفضل في نقل صورة ما يحصل للغرب، "للشعوب أقصد مهما حاولت حكوماتهم إخفاء الصورة أو تنميطها حسب ما ترغب".