في اليوم الدولي للمسنين.. مفيدة عنكير تكتب عن جدّتها: الحاجة ديبة قليل من كثيرها
لم تكن جدتي تسكن في قريتنا، بل كانت تسكن في قريبة بعيدة عنا، حيث يسكن خالي وخالاتي. لكنها كانت تزور قريبتنا "الهبيط" جنوبي إدلب مرتين في السنة.
وعندما تأتي كان الجميع يعلم بأن الحج "ديبة" صارت الآن في القرية، فيتسارعون لدعوتها، ويتسابق الجميع لتخبئتها عنده عن عيون الآخرين، كي تبقى مدة أطول عندهم..
فمثلاً كانت بنات إخوتي يخبئون لها أحذيتها في المساء كي لا تغافلهم وتخرج صباحاً لأنها تصحو قبل "صِياح الديك".
كانت حجّ "ديبة" تتحايل عليهم وتسرق حذاءً من أحذيتهم وتذهب لتقضي زياراتها الصباحية كالعادة الممتلئة بالبساطة والضحكات والدعاء.
كانت تُسمى "البركة".. كانت خيراً يمشي على الأرض، تحمل في جيبها السكاكر والشوكولا لتعطيها للأطفال.
كانت تأتي من قريتها مُحمَّلة بالزيتون والزيت وورق العنب وكل الأشياء المشهورة بها قريتها.. وتدخل القرية بكلّ كبرياء.
كانت تُحب أن تُطعم القطط كثيراً، لدرجة أنها حين تجلس لتتناول الطعام كانت تحسب حساب القطط وتناديهم لتُطعمها معها، رغم تذمُّرنا من ذلك.
كثيراً كانت تحاول أن تأكل لقمة وتُبلِّل الأخرى بالماء أو اللبن وتأخذها للقطط.
كانت القطط الشيء الأهم بعد الإنسان لديها، وتقول: حرام حيوانات مساكين يجب أن نُطعمها.
حين ماتت جدتي في 20 يناير عام 2020 كانت بمثابة شهيدة لدرجة أنهم صلّوا عليها ثلاث مرات كي يُتاح لأكبر عدد من المحبّين الصلاة عليها.
كانت تُحبّ الجميع ويحبّها الجميع ودائما كانت تقول لي أنتِ كريمة مثلي، أنتِ أكرم من أمك (هذا لا يعني أن أمي ليست كريمة، لأن أمي لفرط كرمها أسمت ابنها كريم) لكن هذا يعني أن كرمي (في منظور حج ديبة) وصل للحدّ الذي فاقَ كرم أمي عند جدتي.
رحلت جدتي "ديبة" وظلّت تفاصيلها وضحكاتها ودعاؤها وتجاعيد يديها ووجها في بالي وبال كل من يعرفها.. حج "ديبة".