في اليوم الدولي للمسنين.. تفاصيل برس تفتح ملف المسنين في شمال سوريا

في اليوم الدولي للمسنين.. تفاصيل برس تفتح ملف المسنين في شمال سوريا
المسنّ، محمد البيوش من كفرنبل "توفي قبل سنوات"
مريم الإبراهيم – تفاصيل برس - إدلب (ملف خاص ننشره بمناسبة اليوم الدولي للمسنين)

يصادف اليوم 1 تشرين الأول "اليوم العالمي للمسنين"، وهو يوم عالمي جديراً بنا أن نستذكر المسنين في شمال سوريا، حيث تختلط الآلام اليومية بسنين الحرب.

يعيش المسنون في شمال سوريا واقعاً مريراً، يكاد يكون أشبه بالصمود في وجه الزمان والنسيان، في تلك البقعة التي كانت تضجّ بالحياة، غدت اليوم ملجأً للصمت والوحشة، خاصة لأولئك الذين تركتهم الحياة على أطراف الزمن، دون سند أو معين.

المسنون، هؤلاء الأفراد الذين عاشوا حياة طويلة مليئة بالذكريات والتجارب، وجدوا أنفسهم في خريف حياتهم يكافحون من أجل البقاء.

دور الرعاية

في مناطق الشمال السوري، تعمل 3 دور لرعاية المسنين على تقديم العون لمن لا يجدون معيلاً أو سنداً في هذه الظروف الصعبة، من بين هذه الدور، نجد "دار البشير" في معرة مصرين، و"دار الرفاه" في إدلب، ودار أخرى في مدينة اعزاز "السلام" تقدم الرعاية للفئات التي تركتها الحياة دون دعم أو عائلة، تقدم لهم 3 وجبات طعام يوميّاً، إضافة إلى الاهتمام بالنظافة الشخصية والغسيل والمنامة.

هذه الدور تستقبل المسنين الذين لا يوجد لديهم معيل، وتوفِّر لهم المأوى والرعاية الطبية والنفسية، لتكون بصيص أمل في واقع مليء بالتحديات، ورغم قلة الإمكانيات، فإنها تسعى جاهدة لتخفيف معاناتهم ومنحهم الأمان والراحة في سنواتهم الأخيرة.

صورة قاتمة

يتكدس النازحون في مخيمات ضيقة أو يعيشون في منازل متهالكة، يواجه المسنون منهم بشكل خاص من تحديات جسيمة.

غياب الخدمات الصحية والاجتماعية، والافتقار إلى أدنى متطلبات الحياة الأساسية يجعل حياتهم محفوفة بالمتاعب، المسنُّون في هذه المناطق، خاصة أولئك الذين فقدوا أبناءهم أو نزحوا عنهم، يعانون الوحدة والعزلة، كل صباح، يستيقظون على أمل جديد، لكنهم يجدون أنفسهم عالقين بين ذكرى ماضٍ جميل ومستقبل غامض.

معاناة متزايدة

تزداد معاناة هؤلاء المسنين مع مرور الوقت، إذ لا يوجد من يقدم لهم الرعاية الكافية، كما أن الأدوية الأساسية نادرة، لمعاناة الأغلبية من أمراض مزمنة مع تقدم العمر مثل "السكر والضغط ".

كما تفتقر المراكز الطبية بالشمال السوري إلى مراكز صحية، أو فرق طبية، تعالج أمراض تتعلق بتقدم السن مثل: "الزهايمر(Alzheimer's disease)داء باركنسون (Parkinson's Disease)، وفق ما أفاد مصدر خاص لـ "تفاصيل برس".

ويترافق ذلك مع نقص حاد في الخدمات الطبية والأدوية، وعدم توفر مراكز صحية مجهزة لعلاج الأمراض المرتبطة بالمسنين، والأمراض العصبية التي تؤثر على المفاصل والنخاع الشوكي والعمود الفقري، مثل أمراض (Peripheral Neuropathy) الاعتلال العصبي".

كذلك الضغط على جذور الأعصاب القطنية (Lumbar Radiculopathy) والفقرات الرقبية (Cervical Spondylosis) والاعتلال العصبي السكري (Diabetic Neuropathy)".

كما يواجه كبار السن صعوبات بالغة في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، هذا النقص يؤدي إلى تفاقم معاناتهم.

قصص تعكس ألم ومأساة

تعكس قصصهم واقعًا مأساويًا يواجهه الكثيرون في تلك البقعة المهملة من العالم، أكثر ما يؤلم في قصصهم هو غياب السند، فقد وجد الكثير منهم أنفسهم وحيدين بعدما فقدوا أحباءهم أو نزحوا بعيدًا عنهم بسبب الحرب.

ألم الوحدة ومرارة الفقد

الحاجة أم ناصر، سيدة من بلدة التمانعة، تعيش في مخيمات إدلب منذ سنوات عدة بعد أن دُمر منزلها بسبب القصف، وهُجرت قسريًا من بلادها، حياتها ليست مجرد قصة نزوح، بل هي حكاية من الألم والصبر، أم ناصر، التي في الثمانين من عمرها، كانت تعيش مع أبنائها الأربعة، الذين كانوا بالنسبة لها الأمان والدعم في تلك البلدة الريفية، لكن الحرب غيرت مجرى حياتها تمامًا.

نزحت أم ناصر إلى شمال إدلب بعد أن فقدت بيتها وكل ما تملك، فقدت اثنين من أبنائها في القصف الذي تعرضت له التمانعة، واضطر الآخران إلى الهجرة بحثًا عن الأمان والرزق في تركيا، ومنذ ذلك الحين، تعيش وحدها في خيمة رثةَ بمخيمات شمال إدلب، تشعر بفراغ عميق يغمر أيامها ولياليها.

تروي الحاجة أم ناصر بقلب مليء بالحنين: "لم يعد لي من الدنيا سوى ذكريات أبنائي وأصواتهم التي ما زالت تتردد في أذني، كنا نجلس معًا نتحدث، نخطط للمستقبل، لكن الآن لم يبقَ شيء، أعيش وحدي، لا أحد يزورني، ولا أسمع سوى صوتهم بالاتصال لا أعرف كيف يقومون بإرسال الرسائل عبر الهاتف أستطيع أن اسمع صوتهم من "الزر الأخضر برفعه للأعلى" تقصد الحاجة المكالمة عبر تطبيق واتس آب، ورغم تلك الكلمات، فإن هناك بصيصًا من الصبر في عينيها، كأنها قد اعتادت على الانتظار، حتى لو كان الانتظار بلا نهاية.

تحتاج أم ناصر، كما الكثير من المسنين في الشمال السوري، إلى أبسط حقوق الإنسان، الرعاية الصحية والنفسية، والدعم الاجتماعي، ورغم المحاولات الفردية من بعض الجمعيات الخيرية، إلا أن الوضع ما زال بعيدًا عن أن يكون مقبولًا، العديد من المسنين يعيشون بدون طعام كافٍ، أو دون القدرة على الحصول على الأدوية التي يحتاجونها بشكل يومي.

صمت الأرقام والمعاناة المستمرة

يُقدّر أن مئات من المسنين في شمال سوريا يعيشون أوضاعًا مشابهة لأم ناصر، يواجهون شتاء قاسيًا دون وسائل تدفئة كافية، وصيفًا حارًا دون ماء نظيف أو ظل يحميهم، ومع كل هذا، يفتقرون إلى أهم شيء قد يحتاجه الإنسان في شيخوخته" الأمان والرفقة".

لا تتوفر حاليًّا إحصائيات رسمية جديدة عن عدد المسنين في سوريا، إلا أن أحدث التقديرات تشير إلى أن العدد تجاوز 1.7 مليون مسن بنسبة تقدَّر بنحو 7.2% من تعداد السكان، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 5.7 ملايين نسمة عام 2050 بنسبة 13% من إجمالي عدد السوريين، وبحسب فريق منسقو استجابة سوريا، يقيم نحو 800 ألف مسن في مخيمات شمال غربي سوريا.

تظهر مشكلة المسنين الوجه الإنساني للحرب، حيث لا تقتصر المعاناة على الدمار الجسدي فقط، بل تمتد لتشمل العزلة النفسية والاجتماعية التي يواجهها المسنون في مجتمعاتهم التي تفككت بسبب النزاعات. الأطفال والشباب يجدون طرقًا للهرب أو التكيف، لكن المسنين، خاصة أولئك الذين فقدوا أحبائهم، يجدون أنفسهم محاصرين في واقع قاسٍ دون أي خيارات تُذكر.

الحاجة إلى دعم المسنين في الشمال السوري أصبحت أمرًا مُلحًا، ليس فقط من الناحية الإنسانية، بل أيضًا من ناحية واجب المجتمع تجاههم، إن توفير الرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية لهؤلاء المسنين، والعمل على جمع شملهم بأسرهم أو تقديم الرعاية اللازمة لهم في دور متخصصة، أصبح حاجة ماسة.

المسنون الذين يملأون كل الأمكنة، بوجوههم التي تحمل حكمة العمر وآلامه، يحتاجون إلى التفاتة حقيقية من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، في ظل توقف دعم المنظمات في الشمال السوري المحرر، ليس مجرد مساعدات مؤقتة، بل حلول دائمة تحترم كرامتهم الإنسانية.

قصصهم المؤلمة، تذكير قوي لنا جميعًا بأهمية العناية بالمسنين، خاصة في ظروف الحرب والنزوح، هؤلاء الأشخاص الذين أعطوا حياتهم للمجتمع، يستحقون أن يعيشوا ما تبقى من أيامهم بسلام وكرامة. مع حلول اليوم العالمي المسنين، نجد أن معاناة المسنين في الشمال السوري ليست مجرد قصص فردية عابرة، بل هي جزء من واقع يعيشه آلاف الأشخاص الذين يستحقون اهتمامًا ورعاية أكثر من أي وقت مضى، إن هؤلاء المسنين الذين بنوا مجتمعاتهم وجيلاً كاملاً وحملوا على عاتقهم مسؤوليات الحياة، يُتركون اليوم وحدهم في مواجهة ظروف قاسية، دون الرعاية التي تليق بكرامتهم.

في هذا اليوم العالمي، علينا أن نستذكر أن الإنسانية تبدأ من احترام الأجيال التي سبقتنا، ومنحهم الحب والرعاية التي استحقوها دائمًا.

تعريف من موقع "الأمم المتحدة:

في 14 كانون الأول/ديسمبر 1990، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 45/106 يوم 1 تشرين الأول/أكتوبر بوصفه اليوم للمسنين. وجاء هذا الإعلان لاحقا لمبادرة خطة العمل الدولية، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 51/37 المؤرخ 3 كانون الأول/ديسمبر 1982.

وفي عام 1991، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها 91/46، مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بالمسنيين. وفي عام 2003، اعتمدت الجمعية العامة الثانية للشيخوخة خطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة للاستجابة للفرص والتحديات لفئة السكان التي ستواجه الشيخوخة في القرن الحادي والعشرين، وكذلك لتعزيز تطوير المجمتع لكل الفئات العمرية.

تضاعف عدد المسنيين (أي أولئك الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر) 3 مرات من حوالي 260 مليونًا في عام 1980 إلى 761 مليونًا في عام 2021. وبين عامي 2021 و2050، من المتوقع أن ترتفع الحصة العالمية من المسنيين من أقل من 10٪ إلى حوالي 17%.

يؤكد النمو السريع في عدد الأشخاص الذين يصلون إلى سن أكبر على أهمية تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض وعلاجها طوال مسار الحياة.

من الأهمية التكيف مع العدد المتزايد من الأفراد المسنين الذين يمتلكون مجموعة متنوعة من القدرات الوظيفية في المجتمعات التي تعاني من شيخوخة السكان. إن القدرة على القيام بالوظائف الأساسية والمشاركة في الأنشطة اليومية لا تتأثر فقط بقدرة الفرد المتأصلة ولكن أيضًا بالبيئات الاجتماعية والمادية التي يقيم فيها. حيث تلعب البيئات الداعمة دورًا محوريًا في مساعدة المسنين على الحفاظ على مستويات نشاطهم واستقلاليتهم مع تقدمهم في العمر.